46/08/12
-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
نقول:- إنَّ الذي يمكن ذكره لاثبات وثاقة أحمد بن محمد بن يحيى هو أحد أمرين وإلا يبقى الاشكال ثابتاً:-
الأمر الاول:- أن نقول إنَّ أحمد بن محمد بن يحيى هو من مشايخ الاجازة للشيخ الصدوق وشيخوخة الاجازة توجب التوثيق، فإنَّ الشيخ الصدوق قد روى عنه في الخصال وفي التوحيد وهذا معناه أنه شيخٌ له في الرواية وينقل عنه، فإذا قلنا بكفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة ثبتت وثاقت.
وقد ذكرنا أنّ المناسب في شيخ الاجازة أنه إذا كان من المشايخ المعروفين مثل الاغا بزرك الطهراني فإنه يكون ثقة لأنَّ العقلاء لا يقدمون على كسب الاجازة من شخص ليس بثقة، وعليه فإذا كان أحمد بن محمد بن يحيى من مشايخ الاجازة العروفين فلا يبعد وثاقته، وهذه قضية وجدانية فقد يقبلها البعض ويرفضها الآخر، فإذا بنينا على كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة فسوف تثبت وثاقة أحمد بن محمد بن يحيى ويصير السند معتبراً.
الأمر الثاني:- التمسك بفكرة الاطمئنان، لأننا قلنا قد وردت أربع روايات توجد فيها فقرة ( ما لا يعلمون )، ومن البعيد أن ترد هذه الفقرة في أربع روايات ويكون الراوي قد كذب في الجميع، وعليه فيحصل الاطئمنان بأنَّ احمد بن محمد بن يحيى ثقة وبالتالي لم يكذب. وهذه قضية وجدانية أيضاً وليست علمية.
فإذاً كلا الطريقين وجدانيين وليسا علميين، فمن يقبل بهما فهو وإلا فلا.
وبهذا اتضح من خلال كل ما تقدم أنَّ حديث ( رفع ما لا يعلمون ) قابل للتصحيح.
النقطة الثانية:- هل يدل حديث ( رفع ما لا يعلمون ) على البراءة أو لا؟
وفي الجواب نقول:- تارةً نقول إنَّ هذا الرفع هو رفع واقعي، فهو يرفع واقعاً الحكم غير المعلوم، وأخرى نقول إنه رفع ظاهري، يعني هو رفعٌ لوجوب الاحتياط، والمناسب أن نقول إنَّ الرفع هنا ظاهري لا واقعي وإلا يلزم محذور اختصاص الاحكام بخصوص العالمين بها وهذا لا يمكن الالتزام به، لأنه إذا التزمنا به فسوف لا يجب علينا تعلم الاحكام وهذا لا يمكن الالتزام به، فالرفع الواقعي ليس بموجود وإنما الرفع إذا ثبت فهو رفع ظاهري بمعنى رفع وجوب الاحتياط.
وهل هذا المقدار يكفي في اشباع حاجة الاصولي؟
الجواب:- كلا، بل تبقى مشكلة، وهي أنه كيف نرفع القعاب، فإنه إذا كان الرفع رفعاً واقعياً فهو يعني أنه لا يوجد حكم واقعاً فالعقاب آنذاك سوف يكون مرتفعا، وأما الرفع هنا فليس رفعاً واقعياً وإنما هو ظاهري وعليه فإذا أردنا أن نقول إنَّ العقاب مرتفع فيمكن أن نطرح الاشكال بهذا الشكل:- وهو أنَّ حديث الرفع هل يرفع استحقاق العقاب أو يرفع نفس العقاب؟ فإن قيل هو يدل على رفع العقاب فنقول إنَّ استحقاق العقاب أثر عقلي والآثار العقلية لا معنى لرفعها بالأمر الشرعي فإنَّ الأمر الشرعي لا يرفع الأمور العقلية، وإن قيل هو يرفع نفس العقاب فيقال إنَّ العقاب هو فعل الملائكة الغلاظ الشداد وهو لا يمكن رفعه أيضاً، عليه فلا الاستحقاق يمكن رفعه لأنه حكم عقلي ولا العقاب يمكن رفعه لأنه فعل الملائكة؟
وقد اجاب الشيخان الانصاري الخراساني عن ذلك وقالا:- إذا قلنا إنَّ حديث الرفع يرفع وجوب الاجتياط شرعاً - لأن وجوب الاحتياط لا نعلم به فيرفعه الحديث - فإذا ارتفع وجوب الاحتياط شرعاً فسوف يحصل الأمان للمكلف من العقاب، وبهذا يكون هذا الأمان بنحو القطع الوجداني، فإنَّ الحديث يرفع وجوب الاحتياط، وإذا ارتفع وجوب الاحتياط ارتفع العقاب جزماً وبنحو القطع الوجداني من دون حاجة إلى التأمين من القعاب بدليلٍ آخر سواء كان ذلك الدليل الآخر هو حديث الرفع أو غيره، بل نفس حديث الرفع حينما يرفع الحكم فلازم رفع الحكم ارتفاع العقوبة أيضاً.
قال الشيخ الخراساني(قده):- (الإلزام المجهول مما لا يعلمون فمرفوع فعلاً وإن كان ثابتا واقعاً فلا مؤاخذة عليه قطعاً)[1] ، وقال الشيخ الاعظم(قده):- ( والحاصل إنَّ المرتفع فيما لا يعلمون وأشباهه هو ايجاب التحفظ على وجهٍ لا يقع في مخالفة الحرام الواقعي ويلزم ارتفاع العقاب واستحقاقه فالمرتفع أولاً وبالذات أمرٌ مجعولٌ يترتب عليه ارتفاع أمرٌ غير مجعول)[2] .