46/08/11
-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
وأما الرواية الثانية:- فالمشكلة الموجودة فيها هي الارسال، فإنَّ الشيخ الصدوق ذكرها مرسلة من دون اسناد، ولذلك نحتاج إلى تصحيح سندها، ويوجد بيانان لتصحيح سندها:-
البيان الأول:- وهو مركب من مقدمتين:-
المقدمة الأولى :- إنَّ الشيخ الصدوق عبّر بتعبير ( قال النبي ) وهذا التعبير يدل على الجزم، بخلاف كلمة ( روي ) فإنها لا تدل على الجزم، فتعبيره بكلمة ( قال ) هي بنفسها تدل على أنَّ المنقول هو شيء جزمي، يعني أنَّ الصدوق يجزم بهذه النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المقدمة الثانية:- إذا دار الأمر بين أن يكون هذا النقل عن حسن أو عن حدس فالسيرة قد جرت على اجراء أصالة الحس، وبذلك يثبت أنه هذا النقل هو عن حس.
وبذلك يثبت صحة سند هذه الرواية.
وفي التعليق ننقول:- إنَّ كلتا المقدمتين قابل للمناقشة.
أما المقدمة الاولى:- فبالامكان أن يقال إنَّ كلمة ( قال ) لا تدل على جزم الشيخ الصدق بالصدور، بل حينما عبر بها فمقصوده أنَّ النبي صلى الله عليه آله وسلم قد قال ذلك على ما هو الموجود في كتب الروايات لا أنَّه ابتداءً يريد أن ينسب ذلك إلى النبي بنحو الجزم، وإنما هو عبر بذلك مثل ما نعبر به نحن حيث نقول قال الله وقال النبي يعني على ما هو مذكور في الكتب الروائية، وعليه فتعبيره هذا لا يدل على جزمه بالصدور.
وأما المقدمة الثانية:- فنقول صحيح إنَّ أصالة الحس قد جرت عليها السيرة ولكنها جرت عليها فيما إذا كان الاحتمال احتمالا قوياً معتداً به فهنا نتمكن أن نقول إنَّ السيرة قد انعقدت على كون هذا النقل عن حس، وأما إذا فرض أنَّ الاحتمال ليس قوياً فهنا يشك في انعقاد السيرة على البناء على أصالة الحس، ولعل القضية وجدانية من هذه الناحية، فلو جاءنا شخص الآن وقال ( قال فلان ) بنحو كان قوي اللهجة فهنا يبنى عن كون هذا النقل عن حس، وأما إذا كانت النسبة ليست بهذه الدرجة الكبيرة من القوة فانعقاد السيرة على أصالة الحس هي أول الكلام.
فإذاً أصالة الحس يُفصَّل في انعقاد السيرة عليها بين ما إذا كان الاحتمال قوياً وبين ما إذا كان الاحتمال ضعيفاً، فإن كان الاحتمال قوياً فليس من البعيد انعقاد السيرة على أصالة الحس، وإن كان الاحتمال ضعيفاً فيشك في انعقاد السيرة حينئذٍ عليها، وتعبير الصدوق لا يوحي بقوة النسبة، وعليه فأصالة الحس يشك في انعقادها في مثل هذه الحالة.
البيان الثاني:- أن يقال إنَّ الشيخ الصدوق هو غواص بحار علوم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام وهو من أهل الخبرة بأحاديثم، وحيث قد نسب الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحو الجزم وبلسان ( قال ) فتكون شهادته حجة من باب حجية شهادة أهل الخبرة.
وهذا البيان مركب من مقدمتين:-
المقدمة الأولى:- إنَّ الصدوق هو من أهل الخبرة بأحاديث أهل البيت عليهم السلام.
المقدمة الثانية:- إنَّ شهادة أهل الخبرة حجة.
ولكن قد تناقش المقدمة الثانية فيقال:- نحن لابد وأن نعتمد على أهل الخبرة بمقدار ما اننعقدت عليه السيرة ونأخذ بكلامهم بهذا المقدار، والسيرة قد انعقدت على الأخذ بكلامهم في تحديد قيم الاشياء أو الرجوع إلى الطيبيب في مجال الطيب والمهندس في مجال الهندسة وهكذا، وهذا شيء مقبول، وأما الروجوع إلى الشخص في تحديد أنَّ هذاا الحديث صادر من أهل البيت عليهم السلام أو لا فيمكن أن يقال إنَّ هذا لم تنعقد عليه السيرة وانعقادها عليه هو أول الكلام.
والجواب عن ذلك أن يقال:- إنَّ هذا الاشكال تام فيما إذا قلنا إنّ حجية السيرة هي بمقدار ما انعقدت عليه، فإنَّ السيرة قد انعقدت على الرجوع إلى أهل الخبرة في مجالات خاصة وهي في تحديد قيم الاشياء وإلى الطبيب وإلى المهندس وما شاكل ذلك دون تشخيص الحديث أنه صادر من أهل البيت عليهم السلام أو لا، ولكن يمكن أن يقال إنَّ شهادة أهل الخبر هي مقبولة في الدائرة الأوسع الشاهد على ذلك هو أننا الآن نعتمد على قول أهل الخبرة في تحديد حيازة الأشياء، فإنَّ الحيازة هي سببٌ للمليكة، والذي انعقدت عليه السيرة لحيازة السمك مثلاً هي حيازته عن طريق الشبكة وأما الآن فقد اصبحت الحيازة بوسائل حديثة، فهل نقول إنَّ هذه الحيازة الحديثة لا تنفع؟!!، وهكذا الحال في حيازة النفط فقد كان يحاز بحفر حفرة صغيرة والحيازة على كمية قليلة منه وأما الآن فقد صار بالامكان حيازة كيميات كبيرة منه بالآلات الحديثة فهل نقول إنَّ هذه الحيازة الحديثة لا تنفع؟!!
فإذاً نتمكن أن نقول إنَّ السيرة وإن كانت منعقدة على شيءٍ ضيق إلا أنه يؤخذ بها بعرضها العريض رغم انعاقدها في شيء ضيق، وفي مقامنا نقول إذا قبلنا بحجية شهادة أهل الخبرة فالشيخ الصدق هو من له الخبرة بأحاديث أهل البيت عليهم السلام وعليه يلزم الرجوع إليه إذا شهد بأنَّ هذا الحديث من كلام أهل البيت عليهم السلام ونأخذ بشهادته.
فإذاً إلى الآن لم تتم هذه المناقشة في ردَّ الحديث الثاني.
والانسب في مناقشة الحديث الثاني ونسبته إلى أهل البيت هو المناقشة في المقدمة الاولى:- وهي أنَّ الشيخ الصدوق هو من أهل الخبرة في أحاديث أهل البيت عليهم السلام حيث نقول إنَّ الخبروية في الحديث لها مراتب متعددة، والصدوق خبير بالأحاديث بمعنى أنه خبير في أنَّ هذا الحيدث صادر عنهم عليهم السلام أو لا، وأما إذا كان الحديث صادراً عنهم عليهم السلام ولكن وشك في فقرة من فقراته كما هو الحال في موردنا فإننا نشك في فقرة ( ما لا يعلمون ) وأنها ثابتة أو ليست بثابتة فنحن نحتمل أنها دُسَّت من قبل الراوي أو من غيره، فإذا احتملنا هذا فحينئذٍ فلا نتمكن أن نقول إنَّ الشيخ الصدوق هو من أهل الخبرة وشهادته مقبولة هنا، إذ يردّ هذا بأنَّ شهادته بهذا المستوى الوسيع هو أول الكلام، فإنَّ خبرته هي في أنَّ هذا الحديث بالكامل هو صادر عن أهل البيت عليهم السلام، أما هذه الفقرة بحخصوصها وأنها صادرة حقاً أو دست من قبل الراوي فلا نتمكن أن نقول هو من أهل الخبرة بهذا المستوى حتى يكون كلامه حجة.