« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

-الأمر الرابع ( الأصل المحرز والأصل التنزيلي ) - مبحث الاصول العملية.

الموضوع:- الأمر الرابع ( الأصل المحرز والأصل التنزيلي ) - مبحث الاصول العملية.

 

ذكرنا أنَّ العلم له أربع خصوصيات، الأولى استقرار النفس، والثانية الكاشفية عن الواقأي يكشف عن متعلقه الذي هو باعتقاد العالم أنه الواق، والثالثة الجري العملي على طبقه، والرابعة التنجيز والتعذير - فمن علم بثبوت التكليف كان منجزاً ومن علم بعدم ثبوته كان معذراً وإن كان هناك تكليف واقعاً - وقد قلنا إنَّ الخصوصية الأولى هي خصوصية تكوينية لا أثر لها على موضوع بحثنا وإنما ذكرت من باب كونها احدى خصوصيات العلم، وأما الخصوصيتان الثانية والثالثة فهما المهمتان.

أما الخصوصية الثانية: - فالشيخ النائيني(قده) يرى أنَّ المجعول في باب الامارة هو العلمية - أو قل الكاشفية عن الواقع -، قد استفاد الشيخ النائيني(قده) من هذا الرأي ورتّب عليه آثاراً متعددةً بعضها مرت وبعضها سيأتي.

وأما الخصوصية الثالثة: - فهي ثابتة في الأصل المحرز وفي الأصل التنزيلي، هذا الاصلان يشتركان في شيءٍ ويختلفان في شيءٍ آخر: -

فهما يشتركان في تنزيل كل منهما من نزلة القطع في مقام الجري العملي دون الكاشفية، غاية الأمر أنَّ الفارق بينهما هو أنَّ الأصل المحرز قد نُزّل فيه الاحتمال منزلة القطع في مقام الجري العملي فلابد من السير على طبقه هذا الاصل، وأما الأصل التنزيلي فقد نُزّل فيه المحتمل - أي متعلّق الاحتمال - منزلة الواقع، فعبّر عنه بالأصل التنزيلي يعني نُزّل متعلق الأصل منزلة الواقع من حيثية الجري العملي.

ونأخذ مثالاً للأصل المحرز ثم نأخذ مثالاً للأصل التنزيلي حتى تتضح المعالم: -

مثال الأصل المحرز: - الاستصحاب، بناءً على أنَّ المستفاد من لسان ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو تنزيل حالة احتمال البقاء منزلة اليقين بالبقاء في مقام الجري العملي، فلذلك يقال الاستصحاب هو أصل محرز يعني أنه نُزّل منزلة القطع في جانب الجري العملي، وأما في الأصل التنزيلي يُنزّل المحمل منزلة الواقع من زاوية الجري العملي. فإذاً في الاثنين التنزيل هو من زاوية الجري العلمي ولكن في الأصل المحرز نزل الاحتمال منزلة القطع من زاوية الجري العملي وأما في الأصل التنزيلي فقد نزّل المحتمل منزلة الواقع من حيثية الجري العملي.

وقلنا إنَّ مثال الأصل المحرز هو الاستصحاب بناءً على تنزيل احتمال البقاء منزلة اليقين بالبقاء من زاوية الجري العملي لا من زاوية الكاشفية؛ إذ لو نُزّل احتمال البقاء منزلة البقاء من ناحية الكاشفية صار الاستصحاب أمارة ولم يكن أصلاً.

وتظهر الثمرة في حكومة الاستصحاب على أصل البراءة، فلو فرض أنَّ الحالة السابقة كان التكليف هو أنَّ صلاة الجمعة واجبة في زمان الحضور ثم شككنا في وجوبها في زمان الغيبة فالاستصحاب هنا يقول إنَّ الوجوب باقٍ في زمان الغيبة بينما أصل البراءة يقول ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، لأنك تشك في وجوب صلاة الجمعة. فإذاً الاستصحاب بقاء الحضور يقول الوجوب باق واصل البراءة يقول الذمة بريئة، وعندما يجتمع هذان الاصلان نقدّم الاستصحاب بناءً على أنَّ المجعول فيه هو العلمية - أي تنزيل احتمال البقاء منزلة اليقين بالبقاء من زاوية الجري العملي - وحينئذٍ يبنى على تقديم الاستصحاب ويرتفع بذلك الشك، وبالتالي يرتفع أصل البراءة. وهذا من أحد ثمرات الأصل المحرز.

مثال الأصل التنزيلي: - قاعدة الحلّية - وهي ( كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ) - بناءً على أنَّ المستفاد منه هو تنزيل الحلّية الظاهرية منزلة الحلّية الواقعية، وحينئذٍ يصير المنزَّل - الذي هو الحلال الظاهري - حلالاً بمثابة الحلّية الواقعية.

وتظهر الثمرة في طهارة المدفوع، فإنه قد دل الدليل على أنَّ كل حيوان محلل الاكل فمدفوعه طاهر، ولكن ما هو المقصود من الحلّية فهل هي حلية الأكل ولو ظاهراً أو هي حلية الأكل واقعاً؟ فعلى الأول تثبت طهارة مدفوع هذا الحيوان بالحلّية الظاهرية، وعلى الثاني لا تكفي طهارة المدفوع بالحلية الظاهرية إلا إذا قلنا إنَّ دليل التنزيل ينزّل الحلال الظاهري منزلة الحلال الواقعي، وبناءً عليه سوف تثبت الحلّية الواقعية فيجوز حينئذٍ الأكل وبالتالي تثبت طهارة المدفو

logo