46/06/30
-الأمر الثالث ( لوازم الامارة ) - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- الأمر الثالث ( لوازم الامارة ) - مبحث الاصول العملية.
والأجدر أن يقال في توجيه حجية الأمارة في اثبات لوازمها:- إنَّ الشارع إذا جعل أمارةً معينةً حجةً كالخبر مثلاً فمن الواضح أنه جعله حجة لأجل كاشفيته فإنه كاشف بدرجة سبعين بالمائة مثلاً عن المدلول، وهذه الكاشفية كما هي موجودة بلحاظ المدلول المطابقي هي ثابتة بلحاظ المدلول الالتزامي أيضاً، فإنَّ كاشفية الشيء عن مدلوله الالتزامي تساوي كاشفيته عن مدلوله المطابقي، فلو جعل الشارع الامارة حجة لكونها كاشفة بدرجة سبعين فيلزم أن يجعلها حجة بلحاظ لوازمها أيضاً لكونها كاشفة عنها بنفس الدرجة، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً وقد أشرنا إليه فيما تقدم في بعض كلماتنا.
ولكن نستدرك ونقول: - إنّ ما ذكرناه هنا هو وجيهٌ فيما إذا كان المدلول المطابقي للأمارة مختلفاً وليس واحداً معيناً، فإنه إذا كان المدلول المطابقي مختلفاً كما في الخبر - لأنَّ المدلول المطابقي للخبر تارةً يقول المخبر ( جاء زيد )، وأخرى يقول ( نزل المطر ) وثالثة يقول شيئاً ثالثاً - فهنا يتم ما ذكرناه من أنَّ كاشفية الأمارة عن مدلولها الالتزامي مساوية لدرجة كشفها في مدلولها المطابقي فيلزم أن تكون حجة في مدلولها الالتزامي أيضاً كما هي حجة في مدلولها الطابقي.
وأما إذا كان المدلول المطابقي واحداً وليس متعدداً مثل اليد فإنَّ اليد أمارة وهي أمارة على شيءٍ واحدٍ وهو الملكية فقط وليس مثل الخبر، ففي مثل هذه الحالة لا تكون هذه الامارة حجة في المدلول الالتزامي لها بل تكون حجة في المدلول المطابقي فقط، فاليد تثبت الملكية فقط أما أنَّ هذه الملكية حصلت بالعقد أو بغيره - كالإرث - فلا تدل عليه، والوجه في ذلك هو إنَّ درجة الكشف في اليد وإن كانت واحدة فكما أنها كاشفة بدرجة سبعين بالمائة مثلاً عن الملكية هي كاشفة أيضاً بدرجة سبعين عن سبب الملكية - هو العقد - إلا أنَّ درجة اهتمام المولى بالمدلول المطابقي فيها هي أقوى من اهتمامه بالمدلول الالتزامي، فهو يريد من اليد اثبات الملكية أما أنها تثبتها بالعقد أو بغيره فهذا ليس بمهم عنده، وحينئذٍ غاية ما يثبت بهذه الامارة - وهي اليد - هو الملكية أما أنَّ ملكيته لهذا الشيء قد حصلت بسبب العقد لا بسبب الإرث مثلاً فهذا لا تدل عليه، وهذه قضية وجدانية.
فإذا رأينا شخصاً عنده دار وهو يسكن فيها لفترةٍ وأراد بيعها فسوف نشتريها منه لأنَّ اليد تدل على الملكية واحتمال الغصب ليس بموجود، لأنَّ هذا رجل متديّن، أما أنّ ملكيته للدار جاءته من الإرث أو من شراءٍ أو من شيءٍ ثالث أو رابعٍ فهذا لا كشف ولا اهتمام من ناحيته، وعليه فتكون اليد في مثل هذه الحالة أمارة فقط وفقط على الملكية لا أنَّ الملكية حصلت من هذا السبب دون ذاك. وهذا مطلبٌ وجداني عقلائي عرفي قبل أن يحتاج إلى استدلال وبيان، وهذا واضح.