الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
45/11/10
بسم الله الرحمن الرحيم
-النقطة الثانية ( مراتب الظهور )- حجية الظهور - مبجث الظن.
الموضوع: - النقطة الثانية ( مراتب الظهور )- حجية الظهور - مبجث الظن.
النقطة الثانية: - مراتب الظهور.
للظهور مراتب ثلاث: -
المرتبة الأولى: - أن يكون الكلام واضحاً لا يحتاج إلى اعمال دقة، ومثل هكذا ظهور لا اشكال في حجيته.
المرتبة الثانية: - أن يحتاج إلى تأملٍ بسيط، من قبيل آية الوضوء فإنَّ الوارد في الرواية أنَّ الامام عليه السلام حينما سئل عن مسح الرأس وقيل له من أين عرفت أنَّ المسح هو لبعض الرأس وليس بجميعه؟ فقال عليه السلام: - (لمكان الباء)، فهذه مرتبة من مراتب الظهور الواضحة أيضاً ولكنها تحتاج إلى تأملٍ بسيط.
ومن قبيل ما ورد من أنَّ من طلق زوجته ثلاثاً وأراد الرجوع إليها فإنها تحتاج إلى المحلل فإذا تزوجها المحلل ثم طلقها جاز للأول الرجوع إليها بعقد جديد ولكن يلزم في يكون زواجها من المحلل زواجاً دائماً لا منقطعاً، فلو طلب زوجها الأول من المحلل أن يتزوجها منقطعاً لم يصح ذلك فإنَّ الكتاب الكريم لم يجوز ذلك حيث قال تعالى:- ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾[1] ، وهذه المرتبة من الظهور تحتاج إلى تأمل قليل حيث عبرت الآية الكريمة بأنه ﴿ فإنَّ طلقها ﴾ أي إذا طلقها المحلّل ،والطلاق يكون عن زواجٍ دائم لا عن منقطع لأنَّ المنقطع لا طلاق فيه، وحينئذٍ لا جناح على الزوج الأول أن يرجع إليها بعقدٍ جديد بعد أن يطلقها الثاني لا انهما يتراجعان من دون عقد وهذا من الواضحات.
المرتبة الثالثة:- ما يحتاج في معرفته إلى دراسةٍ وتعمق، وهنا يمكن أن يقال إنَّ مثل هكذا ظهور لا يكون حجة لأنَّ القدر المتيقن من دليل حجية الظهور – الذي هو سيرة العقلاء - هو غير هذه الحالة، ومثال ذلك الرواية الواردة في مسألة الجماعة بأن يأتي شخص ويريد الالتحاق بالجماعة حالة كوع إمام الجماعة فإذا كبّر الشخص ووصل إلى حدّ الركوع قبل أن يرفع الامام رأسه فحينئذٍ أدرك بذلك الجماعة، وهي صحيحة سليمان بن خالد[2] عن ابي عبد الله عليه السلام:- (في الرجل إذا أدرك الامام وهو راكع وكبّر الرجل وهو مقيمٌ صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الامام رأسه فقد أدرك الركعة)[3] .
والسؤال: - لو فرض أنَّ المأموم كبّر وركع حالة كون الامام راكعاً ولكن حينما وصل المأموم إلى حدّ الركوع شك بأنه هل رفع الامام رأسه قبل أن يصل هو إلى حدّ الركوع فلم يدرك الجماعة أو أنَّ الامام بَعدُ راكع وقد أدرك الجماعة ففي مثل هذه الحالة هل يمكن اثبات بقاء الامام راكعاً بالاستصحاب فنقول إنَّ الامام كان راكعاً ونشك الآن هل بقي راكعاً أو لا فنستصحب بقاءه راكعاً إلى أن ركع المأموم أو لا يمكن ذلك؟
والجواب: -
ذكر العلمان الشيخ النائيني والسيد الخوئي: - انه لا يمكن جريان هذا الاستصحاب، باعتبار أنَّ العنوان الذي أخذ هو القبلية - أي قبل أن يرفع الامام رأسه - وحينئذٍ إذا كان تكبير المأموم ووصوله إلى حدّ الركوع قبل أن يرفع الامام رأسه من الركوع فقد أدرك الجماعة ولكن لا يمكننا احراز ذلك إلا باستصحاب بقاء الامام راكعاً ولكن هذا أصل مثبتٌ وهو ليس بحجة فإنَّ الحكم قد انصب على عنوان القبلية وعنوان القبلية ليس لازماً شرعياً لبقاء الامام في الركوع وإنما هو لازم عادي فيكون من الأصل مثبت وهو ليس بحجة، وعليه فلا يمكن اثبات ادراك المأموم للجماعة باستصحاب بقاء الامام راكعاً.
أقول:- إنَّ ما ذكراه لا بأس به من جهةٍ ولكن يمكن أن يقال إنَّ عنوان القبلية الذي ذكر لا يقصد منه أنَّ القبلية يلزم احرازها بحيث يكون الحكم منصباً على عنوانها؛ إذ لو كان مقصود الامام عليه السلام ذلك للزم أن ينبه عليه بشكل أوضح حتى يدرك الطرف ما يريده بوضوح لا أن يمر عليه مرور الكرام، فعدم تأكيده على هذه القضية يدل على أنَّ المقصود هو المعنى العرفي وهو أن يدرك المأموم الامام وهو راكع - يعني توجد مقارنة - لا أنَّ المقصود هو عنوان القبلية فإنَّ عنوان القبيلة لا مدخلية له، فليس المقصود هو هذا المعنى الدقيق وإنما المقصود هو الإشارة إلى ما يفهمه العرف وهو أنَّ الامام والمأموم قد اجتمعا في زمانٍ واحدٍ بأن كان الامام بعدُ راكعاً والمأموم وصل إلى حدّ الركوع في ذلك الزمان، فهو عليه السلام يقصد اجتماعهما معاً في زمانٍ واحدٍ وحينئذٍ لا يلزم محذور الأصل المثبت بل يجري الاستصحاب من هذه الناحية من دون محذور.
ومن خلال هذا يتضح أنَّ القدر المتيقن حجيته من الظهور هما القسمان الأولان دون القسم الثالث فإنَّ القسم الثالث قد يشك في شمول دليل حجية الظهور له – الذي هو السيرة العقلائية - إذ ربما يقال إنَّ السيرة العقلائية منعقدة على الاخذ بالظهور بدرجته الاولى والثانية وأما الظهور بدرجته الثالثة لا يجزم بانعقادها عليه فلا يكون حجة.