47/06/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الآية 19 من سورة المائدة/اهل الكتاب من منظر القرآن /التفسير الموضوعي
الموضوع: التفسير الموضوعي/اهل الكتاب من منظر القرآن /الآية 19 من سورة المائدة
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [1] مائدة 19
قال الراغب: الفتور سكون بعد حدة ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة قال تعالى:
﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ (أي سكون خال عن مجيء رسول الله).
في هذه الآية المباركة خاطب الله اهل الكتاب مباشرة، ويمكن ان نقول عند ما يريد الله ان يهدي اهل الكتاب ويدعوهم الى الايمان يخاطبهم مباشرة رحمة لها ولطفا بهم وفي الآيات التي يريد عتابهم وتحذيرهم يأمر نبيه ان يخاطبهم بقوله ﴿قل يا اهل الكتاب﴾ وفي هذه الآية من سورة المائدة أيضا يخاطبهم مباشرة وهو خطاب ثان لأهل الكتاب متمم للخطاب السابق وهي قوله: ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ﴾ ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [2] الآية الأولى بينت لهم أن الله أرسل إليهم رسولا أيده بكتاب مبين يهدي بإذن الله إلى كل خير وسعادة، وهذه الآية تبين أن ذلك البيان الإلهي أنما هو لإتمام الحجة عليهم أن يقولوا: ﴿ما جاءنا من بشير ولا نذير﴾. وفي الحقيقة ارسال هذا الرسول كان تلبية لما يتمنونه من الله وفي قوله تعالى: جاءكم لطف وتكريم وكذلك قوله رسولنا لطف بعد لطف ولم يقل: "قد جاء الرسول" وفي كلا الموردين نرى هذا الالتفات من الله تعالى اليهم.
ويظهر من هذه الآية أن متعلق الفعل في ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ هو الذي في الآية السابقة، والتقدير: ﴿يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب﴾ أي إن هذا الدين الذي تدعون إليه هو بعينه دينكم الذي كنتم تدينون به ﴿مصدقا لما معكم﴾ والذي يرى فيه من موارد الاختلاف فإنما هو بيان لما أخفيتموه من معارف الدين التي بينته الكتب الإلهية،
قال في الميزان: (ولازم هذا الوجه أن يكون قوله: ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ من قبيل إعادة عين الخطاب السابق لضم بعض الكلام المفصول عن الخطاب السابق المتعلق به وهو قوله: ﴿أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا﴾ (إلخ) إليه وإنما جوز ذلك وقوع الفصل الطويل بين المتعلق والمتعلق به وهو شائع في اللسان)[3] ،
هناك فرق بين الآيتين: في الآية الاولى ذكر متعلق قوله: ﴿يبين لكم﴾ وهو قوله: ﴿كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ﴾
ولكن في هذه الآية لم يذكر متعلق للبيان: بل قال: ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِير﴾ٍ ويمكن أن يكون خطابا مستأنفا متعلق (يُبَيِّنُ لَكُمْ) إنما حذف. للدلالة على العموم أي يبين لكم جميع ما يحتاج إلى البيان، أو لتفخيم أمره أي يبين لكم أمرا عظيما تحتاجون إلى بيانه، وقوله: ﴿عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ لا يخلو عن إشعار أو دلالة على هذه الحاجة فإن المعنى: يبين لكم ما مست حاجتكم إلى بيانه والزمان خال من الرسل حتى يبينوا لكم ذلك.
وقوله: «﴿أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ﴾»، متعلق بقوله: «﴿قَدْ جاءَكُمْ﴾» بتقدير: حذر أن تقولوا، أو لئلا تقولوا. وقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كأنه لدفع الدخل فإن اليهود كانت لا ترى جواز تشريع شريعة بعد شريعة التوراة لذهابهم إلى امتناع النسخ والبداء، فردّ الله سبحانه مقالتهم بأن هذا الاعتقاد ينافي عموم القدرة الإلهية، وخلاصة كلامهم امتناع النسخ من الله لانّه تعالى لا يخطأ حتى يصحح عمله بالنسخ. هذا الكلام منهم كان قياسا بفعل البشر، يقرر قرارات ثم في مقام التنفيذ يواجهون مشاكل يكتشف عندهم ان قانون الذي قنّنوه ليس مناسباً فيلقونه ويأتون بقانون آخر، وهذا ممتنع عن الله وهو عالم بكل شيء. والنسخ عند الله حقيته جعل قانون مؤقت من دون اخبار للمكلفين بانه موقت، ثم بعد ما وصل امده يعلنون رفع تلك القانون فحقيقة النسخ انتهاء أمد الحكم قال الله تعالى: ﴿ ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ [4] .
قال في الميزان فمورد النسخ:
(أولاً: أن النسخ لا يختص بالأحكام الشرعية بل يعم التكوينيات أيضا.
وثانيا: أن النسخ لا يتحقق من غير طرفين ناسخ ومنسوخ.
وثالثا: أن الناسخ يشتمل على ما في المنسوخ من كمال أو مصلحة.
ورابعاً: أن الناسخ ينافي المنسوخ بحسب صورته وإنما يرتفع التناقض بينهما من جهة اشتمال كليهما على المصلحة المشتركة، فإذا توفي نبي وبعث نبي آخر وهما آيتان من آيات الله تعالى أحدهما ناسخ للآخر كان ذلك جرياناً على ما يقتضيه ناموس الطبيعة من الحياة والموت والرزق والأجل وما يقتضيه اختلاف مصالح العباد بحسب اختلاف الأعصار وتكامل الأفراد من الإنسان، وإذا نسخ حكم ديني بحكم ديني كان الجميع مشتملا على مصلحة الدين وكل من الحكمين أطبق على مصلحة الوقت، أصلح لحال المؤمنين كحكم العفو في أول الدعوة وليس للمسلمين بعد عدة ولا عدة. وحكم الجهاد بعد ذلك حينما قوي الإسلام وأعد فيهم ما استطاعوا من قوة وركّز الرعب في قلوب الكفار والمشركين)[5]
ففي الآية المبحوث عنها قال تعالى: ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ ....﴾
نعم، فالبشير والنذير هو نبيّ الإسلام محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الذي يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات برحمة اللّه وثوابه، وينذر الذين كفروا والعاصين بعذاب اللّه وعقابه، وقد جاء ليبشر ولينذر أهل الكتاب والبشرية جمعاء، حيث تؤكّد الآية هذا بقوله تعالى: ﴿فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾.
والفترة هي الفاصل بين ارسال الأنبياء والرسل وقد شهدت الفاصلة الزمنية بين موسى عليه السّلام وعيسى عليه السّلام عددا من الأنبياء والرسل، بينما لم يكن الأمر كذلك في الفاصلة الزمنية بين عيسى عليه السّلام والنّبي محمّد صلّى اللّه عليه وآله، ولذلك أطلق القرآن الكريم على هذه الفاصلة الأخيرة اصطلاح فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ والمعروف أن هذه الفترة حسب ما يذكر من عروج عيسى الى نبوة محمد صلى الله عليهماً قريبا من ست مأة سنة . وفي هذا الفاصل بعض المفسرين يستفيدون من قوله تعالى في سورة يس: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ ﴿إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ [6] فهذه الآية المباركة تدل عل مجيئ ثلاثة من الأنبياء لا اقل ولعله اكثر لان الانبياء غير اولي العزم كان عددهم كثير واحيانا في زمن واحد، وذكر عددهم مأة و أربعة وعشرين الفاً وما ورد في الحديث لو لا الحجة لساخت الأرض بأهلها يقتضي وجود انبياء او اوصياء الانبياء ذات عصمة وقد ذكر البعض أنّ أربعة من الرسل بعثوا في تلك المدة، وعلى أي حال لا بدّ أن تكون هناك فترة خلت من الرسل بين وفاة أولئك الرسل والنّبي محمّد صلّى اللّه عليه وآله، ولذلك عبّر القرآن عن تلك الفترة الخالية من الرسل بقوله: ﴿عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾.
وورد في شأن عبد المطلب بل وابي طالب انهما كانا من اوصياء عيسى عليه السلام وعلى كل حال هذه الآية تفيد فترة خالية من الأنبياء ولا ضير في ذلك لان الاوصياء أيضا كانوا حجة من الله على الخلق كأئمتنا عليهم السلام وقد ورد عن رسول لله انه قال علماء امتي كأنبياء بني إسرائيل الظاهر ليس المراد من ناحية الشأن بل المراد من ناحية العمل كل واحد منهم يكون مرشداً للناس فس صقع من الأرض. مهنا نكتفي بالبحث ونبرك لكم مولد سيدتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها وجعلنا الله من السالكين نهجها والنائلين بشفاعتها والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.