47/04/22
بسم الله الرحمن الرحیم
تفسير الآيتين 70-71من سورة آل عمران/اهل الكتاب من منظر القران /التفسير الموضوعي
الموضوع: التفسير الموضوعي/اهل الكتاب من منظر القران /تفسير الآيتين 70-71من سورة آل عمران
قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴿70﴾ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿71﴾﴾
جاءت هاتين الآيتين وراء قوله تعالى: ﴿وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُون﴾ وابتدأ الخطاب لأهل الكتاب في سورة آل عمران من الآية 64 من هذه السورة ونحن قد مررنا عليه في تسع محاضرات واستمرت الى هاتين الآيتين وتليها آيات أخرى في موضوع اهل الكتاب.
قبل الدخول في تفصيلات الآيات نشير الى نقطة هامة وهي: مما نتعلم من القران الكريم في مجال دعوة الآخرين الى الحق ان لا ندخل في براهين عقلية ومجادلات كلامية في موضوعات يعرفها الخصم بوجدانه وعقله او هي من المسلمات عندهم، بل نستفيد من لغة الوعظ والعتاب لإيقاظهم عن غفلتهم وغيّهم الى التنبّه وقبول الحق. بتوجيه السؤال. وهذا الامر شائع في القران في كثير من الآيات في هذه الآية يعاتبهم على كفرهم بآيات الله وهم منتمين الى ملة تعترف بالله وآياته.
قال في الميزان: قوله تعالى: (﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾، قد مرّ أن الكفر بآيات الله غير الكفر بالله تعالى، وأن الكفر بالله هو الالتزام بنفي التوحيد صريحا كالوثنية والدهرية، والكفر بآيات الله إنكار شيء من المعارف الإلهية بعد ورود البيان ووضوح الحق، وأهل الكتاب لا ينكرون أن للعالم إلها واحدا، وإنما ينكرون أمورا من الحقائق بينتها لهم الكتب السماوية المنزلة عليهم وعلى غيرهم كنبوة النبي ص وكون عيسى عبدا لله ورسولا منه، وأن إبراهيم ليس بيهودي ولا نصراني، وأن يد الله مبسوطة، وأن الله غني، إلى غير ذلك، فأهل الكتاب في لسان القرآن كافرون بآيات الله غير كافرين بالله ولا ينافيه قوله تعالى: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾:[1] ، حيث نفى الإيمان عنهم صريحا، وليس إلا الكفر وذلك أن ذكر عدم تحريمهم للحرام وعدم تدينهم بدين الحق في الآية يشهد بأن المراد من توصيفهم بعدم الإيمان هو التوصيف بلازم الحال فلازم حالهم من الكفر بآيات الله عدم الإيمان بالله واليوم الآخر وإن لم يشعروا به، وليس بالكفر الصريح
وفي قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ والشهادة هو الحضور والعلم عن حس- دلالة على أن المراد بكفرهم بآيات الله إنكارهم كون النبي ص هو النبي الموعود الذي بشر به التوراة والإنجيل مع مشاهدتهم انطباق الآيات والعلائم المذكورة فيهما عليه). [2] .
فهم كانوا كفاراً بآيات الله وهذا الكفر كان ناشئا عن ضعف ايمانهم بالله وفسقهم الشديد وهذا الوصف ليس لجميع اهل الكتاب بل منهم الصالحون واكثرهم الفاسقون و-من- في قوله من الذين وتوا الكتاب للتبعيض وليس بيانية كما زعم البعض.
ثم نرى في المجمع ذكر ستة آراء مختلفة في المراد من آيات الله فقال: (ثم خاطب الله الفريقين فقال: ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ﴾ بما يتلى عليكم من ﴿آيات الله﴾ يعني القرآن ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ أي تعلمون وتشاهدون ما يدل على صحتها ووجوب الإقرار بها من التوراة والإنجيل، إذ فيهما ذكر النبي والإخبار بصدق نبوته وبيان صفته، وقيل: يعني بآيات الله ما في كتبهم من البشارة بنبوته وأنتم تشهدون الحجج الدالة على نبوته، وقيل: يعني بالآيات ما في كتبهم أن إبراهيم كان حنيفاً مسلماً وإن الدين هو الإسلام وأنتم تشاهدون ذلك، وقيل: يعني بها ما يتلى عليهم من غرائب أخبارهم التي علموا أنها في كتبهم، عن أبي مسلم، وقيل: يعني بالآيات الحجج الدالة على نبوة محمد (ص) وأنتم تشهدون أن الأول لمعجزة يدل على صدق الرسالة وثبوت النبوة، وقيل: وأنتم تشهدون إذا خلوتم بصحة دين الإسلام) [3]
ثم في الآية الثانية خاطب الله اهل الكتاب مرة ثانية وعاتبهم فقال: ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ﴾ أي تغطون الحق بلباس الباطل، وهذا امر طبيعي أراد الباطل ان يحارب الحق لا يعرض الحق كما هو، لانّهم اذا عرضوا الحق بصورته الاصلية، كثير من الناس يميلون الى الحق ولذا يعرضون الحق بصورة مشوشة لينفروا الناس عن الحق كما رئينا في هذا العصر لما طلع نجم الجمهورية الإسلامية في ايران عرفوها دولة خشنة متخلفة سافكة للدماء وطامعة لاحتلال البلاد ثم اختلقوا جماعات باسم الإسلام كالقاعدة وطالبان و داعش وجبهة النصرة وغيرهم من التكفيريين حتى يشوهوا سمعة الإسلام و يخوِّفوا الشعوب المختلفة منه، وعطفوا حزب الله وفصائل المقاومة المظلومين الذين يدافعون عن ارض المسلمين وعرضهم، على هؤلاء الإرهابيين وسموهم إرهاب واغتر كثير من غير المسلمين عن دعاياتهم الكاذبة، ولكن بحمد الله في قضايا الأخيرة من هجمة الوحشية للصهاينة ووقوف امريكا وبعض الدول الغربية خلفهم تميز صفوف الحق والباطل والظالم والمظلوم وانكشف الغطاء عن وجه إرهاب الدولي وعزّ الإسلام والمسلمين في كثير من بقاع الأرض رغماً لإراقة الدماء الذاكية في غزة ومحاولة العدو الصهيوني وامريكا ومن مال ميلهم لاستئصال جزور المقاومة فانقلب السحر على الساحر والحمد لله.
ان مجمع البيان ذكر لتلبس الحق بالباطل المذكور في هذه الآية وجوه واقوال:
(أحدها): أن المراد به تحريفهم التوراة والإنجيل عن الحسن وابن زيد (وثانيها): إن المراد به إظهارهم الإسلام وإبطانهم النفاق في قلوبهم من اليهودية والنصرانية، لأنهم تداعوا إلى إظهار الإسلام في صدر النهار والرجوع عنه في آخره تشكيكا للناس، عن ابن عباس وقتادة. (وثالثها): أن المراد به الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد (ورابعها): أن المراد ما يعلمونه في قلوبهم من أن محمدا أحق بما يظهرونه من تكذيبه، عن الجبائي وأبي مسلم ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ أي نبوة محمد (ص) وما وجدتموه في كتبكم من نعته والبشارة به ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنه حق وإنما نزلت هذه في طائفة من علمائهم لأن الكتمان إنما يجوز على الطائفة القليلة دون الكثيرة، وقيل: معناه ﴿وأنتم تعلمون﴾ الأمور التي تصح بها التكليف، والأول أصح، لما في الآية من الذم على الكتمان).[4]
ان صاحب الميزان أشار الى نقطة دقيقة في الآية فقال:
(وهاتان الآيتان أعني قوله ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ تتمة لقوله تعالى: ﴿وَدَّتْ طائِفَةٌ﴾ الآية، وعلى هذا فعتاب الجميع بفعال البعض بنسبته إليهم من جهة اتحادهم في العنصر والنسل والصفة، ورضاء البعض بفعال البعض وهو كثير الورود في القرآن).[5]