« قائمة الدروس
الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

47/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

تفسير الآيات 65-69 من سورة آل عمران/اهل الكتاب من منظر القرآن /التفسير الموضوعي

الموضوع: التفسير الموضوعي/اهل الكتاب من منظر القرآن /تفسير الآيات 65-69 من سورة آل عمران

قال تعالى: : ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [1]

كان بحثنا في الجلسة الماضية قبل السفر حول هذه الآيات المباركة التي تدعوا الى الالتزام بما يتفق عليه المسلمون واهل الكتاب وهو حصر العبادة لله وعدم جعل شيء شريكاً له واما قوله: ﴿وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ نفي للتعالي فيما بين الناس على الغير وجعل الغير ربّاً، له الحق ان يأمر وينهى ويتصرف في آخرين بما يشاء.

قال في الميزان: (أفراد الإنسان المجتمع أبعاض متشابهة من حقيقة واحدة متشابهة فلا ينبغي أن يحمّل البعض إرادته وهواه على البعض، إلا أن يتحمّل ما يعادله، وهو التعاون على اقتناء مزايا الحياة، وأما خضوع المجتمع أو الفرد لفرد أعني الكل أو البعض لبعض بما يخرجه عن البعضية، ويرفعه عن التساوي بالاستعلاء والتسيطر والتحكم بأن يؤخذ ربّاً متبع المشيّة، يحكم مطلق العنان، ويطاع فيما يأمر وينهى، ففيه إبطال الفطرة وهدم بنيان الإنسانية. وأيضا من حيث إن الربوبية مما يختص بالله لا رب سواه فتمكين الإنسان مثله من نفسه يتصرف فيه بما يريد من غير انعكاس، اتخاذ رب من دون الله لا يقدم عليه من يسلم لله الأمر).[2]

وقال في الأمثل: (والملفت للنظر أن الآية الشريفة تؤكّد موضوع التوحيد في ثلاث تعابير مختلفة، فأوّلا ذكرت ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ﴾ وفي الجملة الثانية ﴿وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً﴾ وفي المرّة الثالثة قالت ﴿وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾

ثم قال: (ولعلّ في هذه الجملة الأخيرة إشارة إلى أحد الموضوعين: «الأوّل»: أنّه لا يجوز تأليه المسيح، وهو بشر مثلنا ومن أبناء نوعنا. «والثاني»: أنّه لا يجوز الاعتراف بالعلماء المنحرفين الذين يستغلّون مكانتهم ويغيّرون حلال اللّه وحرامه كيفما يحلو لهم، ولا يجوز اتّباع هؤلاء.....

يقول المفسّرون في ذيل تفسير هذه الآية إنّ «عدي بن حاتم» الذي كان نصرانيا ثمّ أسلم، عند ما سمع هذه الآية، فهم من كلمة «أرباب» أنّ القرآن يقول إنّ أهل الكتاب يعبدون بعض علمائهم. فقال للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم: "ما كنّا نعبدهم يا رسول اللّه. فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: أما كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟ فقال: نعم. فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم: هو ذاك").

أقول: والذي يستحق الوقوف عنده ان القران ما خاطب المستولين بان يمنعهم عن ارغام الناس للتسليم بل خاطب الخاضعين والمستسلمين، فانّ من وصل الى اريكة الحكم، وقع في سُكرٍ لا يمكن الخروج عنه باختياره، بل كل من أنكر طاعته، يُحاربه ويُسجنه، بل قد يقتله، ولذلك الامام الخميني كان يقول الحق شيء يُؤخذ ولا يُعطى، فالظالم المستولي لا يتنازل ولا ينسحب، فلابد من الناس ان يتركوه ويُنزلونه من مقامه، كما ورد في حديث "يا معشر الشبان دعوا الرؤساء حتى يصيروا اذناباً"

ثم جدّد الخطاب الى اهل الكتاب وعاتبهم على ادعاهم من كون إبراهيم يهودياً او نصرانياً، بينما التوراة والانجيل نزلتا بعد إبراهيم وهو كان سابقاً عليهما.

ثم في الآية التي تليها ينفي كون إبراهيم يهوديا او نصرانيا بل يبين انه كان حنيفا مسلماً وحقيقة جميع الأديان السماوية هو الإسلام، أي التسليم لأمر الله في الاعتقاد والعمل، بل الدين واحد والشرائع هي التي تختلف في بعض مفرداتها مع بعض ثم يبين ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾

ويمكن ان نقول نحن اتباع موسى وعيسى عليهما السلام أكثر من اليهود والنصارى لانهم حرفا الدين وأضافوا اليه اباطيل وخرافات مما ينافي التوحيد الذي دعوا اليه.

ثم تُحذرنا ربنا من بعض اهل الكتاب فيقول تعالى: ﴿وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُون‌﴾

قال في الميزان: (الطائفة الجماعة من الناس، وكان الأصل فيه أن الناس وخاصة العرب كانوا أولاً يعيشون شعوباً وقبائل بدويين يطوفون صيفاً وشتاءً بماشيتهم في طلب الماء والكلاء، وكانوا يطوفون وهم جماعة تحذراً من الغيلة والغارة، فكان يقال لهم جماعة طائفة، ثم اقتصر على ذكر الوصف (الطائفة) للدلالة على الجماعة).

ثم في كون أهل الكتاب لا يضلون إلا أنفسهم، قال: (فإنّ أول الفضائل الإنسانية الميل إلى الحق واتباعه فحب صرف الناس عن الحق إلى الباطل من جهة أنه من أحوال النفس وأخلاقها رذيلة نفسانية- وبئست الرذيلة، وما ذا بعد الحق إلا الضلال فحبهم لإضلال المؤمنين وهم على الحق إضلال بعينه لأنفسهم من حيث لا يشعرون).

وتخصيص الضلال بأنفسهم دليل على عدم ارتداد المسلمين من أصحاب رسول الله بسبب إغراءاتهم واضاليلهم، كما شهد بذلك التأريخ فلم يرد موردا واحداً في عهد رسول الله من يرتد من المسلمين عن اسلامه.

كذلك من مصاديق قوله تعالى: "وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ" الآيات التي وردت حول رجوع فعل الشر الى فاعله فلا يفعل أحد شيئا من خير أو شر إلا يعود الى نفسه، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾:[3] ، نعم أحيانا بعض الناس عندهم حالة العداء للحق والعقد النفسية فيأخذون بأضاليل المضلين لسوء سريرتهم قال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [4] ، و قال تعالى: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾:[5] ، وقد يؤثر بعض المعاصي في تشديد الانحراف وحبط الاعمال الصالحة قال تعالى: ﴿حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ [6]

في هذا العصر نرى محاولات الأعداء من شيطان الأكبر وازلامه يبذلون قصارى جهدهم لنشر الفساد والاباحية في جميع اقطار العالم حتى بالنسبة الى شعوبهم وهذه الدعايات باسم الحضارة والحرية والتقدم والمدنية أمور يرفضها جميع الأديان بل العقل السليم يرفضها، وفيها مضرات كبيرة على حيات الاسرة وسلامة الافراد وفي هذا الصراع بين الحق والباطل وبين القيم السامية والاحباط المعنوي والإنساني يجب علينا ان نقوم بواجبنا في نشر الفضيلة والبصيرة وأرى بحمد الله في هذه الجنايات القبيحة التي ارتكبها الكيان الصهيوني من قتل الأبرياء والعضل والنساء والأطفال وتجويع الشعب المظلوم في الغزة، اكتشف القناع عن وجوه تلك الكيانات الإستكبارية وعرفوا كثير من الناس ان هؤلاء المجرمون، منافقون واهل الدجل والمكر ولا يكيلون لحقوق الانسان كيلا ولا يبالون بالسلام ورفاهية البشر وعرفوا ان المقاومة الإسلامية والثورة الإسلامية هم المظلومون والمحقون، فبذلك بطل سحرهم و سقطوا سياسيا وشعبيا وهذا انتصار كبير للحق على الباطل ونحن نرجوا من الله إزاحة الغدة السرطانية وايادي الاستكبار عن بلاد المسلمين وإعادة العزة والكرامة اليهم والى جميع الشرفاء في العالم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


logo