47/03/10
بسم الله الرحمن الرحیم
تفسير الآيات 64-68من سورة آل عمران/اهل الكتاب في منظر القرآن /التفسير الموضوعي
الموضوع: التفسير الموضوعي /اهل الكتاب في منظر القرآن /تفسير الآيات 64-68من سورة آل عمران
قال تعالى: : ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [1]
في هذه الأيّام مرّت بنا ذكرى شهادة الامام ابي محمد الحسن العسكري فنتقدم اليكم بالتعازي لهذه المناسبة كما عشنا ذكرى تتويج مولانا وسيدنا وولينا حجة بن الحسن المهدي سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله فرجه وجعلنا من اعوانه وأنصاره ونسأل الله تعالى أن يبارك لنا ولجميع المسلمين هذا اليوم العظيم بالخروج عن الفتن والمشاكل التي تواجه الأمة الإسلامية بها، المشاكل التي اختلقها عالم الاستكبار والشيطان الأكبر وربيبتها الكيان الصهيوني خذلهم الله وبددهم.
كما نتقدم اليكم بأحرّ التهاني بذكرى مولد سيد الكائنات التي نحن بمشارفها ولا سيما في هذا العام ونحن نعيش سنة الف وخمسمأة من ولادة خير البرية وسيد المرسلين وخاتمهم المصطفى محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين. فينبغي ان نعل هذه السنة كلها عام الولادة.
وما قد يقال ان يوم الميلاد على مذهب الشيعة هو يوم السابع عشر وعلى مذهب العامة يوم الثاني عشر من ربيع الأول كلام غير دقيق، فإنّ الولادة ليست من مقولة الاعتقاد بل هي امر واقع خارجي، ومردد تحققه بين الاحتمالين بل من الشيعة من يقول بأنها يوم الثاني عشر كالكليني والمسعودي رضوان الله عليهما كما ان فيما بين العامة خلاف على ثمانية أيام يوم الثامن اوالتاسع او العاشر اوالثاني عشر من ربيع الأول او الإثنين والعشرين من الربيع الثاني او كانت الولادة في شهر صفر او كانت في شهر رمضان فالخلاف واقع بين المورخين لا بين الشيعة والسنة لانّ مسألة ولادة النبي صلوات الله عليه ليست من مقولة العقيدة نعم المعروف بين الشيعة الاحتفال بمولده يوم السابع عشر وعند السنة الاحتفال بيوم الثاني عشر من ربيع الأول ونعم ما ابدع الامام الخميني رضوان الله عليه حيث جعل الفاصل بين اليومين أسبوع الوحدة بين المسلمين الامر الذي له أهمية بليغة وقد اكد سماحة الامام القائد الخامنئي حفظه الله بان العدو لما يأس عن الانتصار في محاربة الجمهورية الإسلامية والمقاومة الإسلامية، ركز قواه في نشر الخلاف والعداء بين المسلمين فعلينا ان نبطل سحرهم وانفاثهم في هذا المضمار أيضا وهذا الامر واجب على الجميع.
كان بحثنا في محاضراتنا التفسيرية تحت عنوان: (اهل الكتاب من منظر القرآن) حول الآيات المذكورة فوقها وقد تطرقنا لمفهوم اهل الكتاب في القران واثبتنا فيها ان عنوان اهل الكتاب ليس محصورا على اليهود والنصارى بل يشمل جميع الأديان السماوية التي تعترف بالله ويوم القيامة وبالشريعة السماوية وما ذكرنا من الآيات ناطقة بان جميع الأنبياء جائوا بكتاب وكذلك الروايات التي وردت حول المجوس والصابئة تستند فيها بانه كان لهم كتاب فاحرقوه ونبي فقتلوه فلا نعيد الكلام.
كما تطرقنا الى تفسير الآية الأولى من هذا المقطع ومما استفدنا منها من لطيف الكلام لزوم دعوتنا لغير المسلمين بتطبيق ما يعترفون به من الحق أي المشتركات بيننا وبينهم وهذا باب لو افتتحناه في هذا العصر وعلى مستوى سائر الأديان ليفتح امامنا ساحة كبيرة لتبليغ غير المباشر للإسلام أيضا بل الى مذهب اهل البيت عليهم السلام.
ومحاجتهم في إبراهيم عليه السلام بضم كل طائفة إياه إلى نفسها يشبه أن تكون أولا بالمحاجة لإظهار المحقية كأن تقول اليهود: إن إبراهيم عليه السلام الذي أثنى الله عليه في كتابه هو منّا، وتقول النصارى: إن إبراهيم كان على الحق، وقد ظهر الحق بظهور عيسى معه، ثم تتبدل إلى اللجاج و العصبية فتدّعي اليهود أنه كان يهودياً، و تدّعي النصارى أنه كان نصرانياً، و من المعلوم أن اليهودية و النصرانية إنما نشأتا جميعا بعد نزول التوراة والإنجيل وقد نزلا جميعاً بعد إبراهيم عليه السلام فكيف يمكن أن يكون يهوديا بمعنى المنتحل بالدين الذي يختص بموسى عليه السلام ، ولا نصرانياً بمعنى المتعبد المنتحل بشريعة عيسى عليه السلام، فلو قيل في إبراهيم شيء لوجب أن يقال إنه كان على الحق حنيفاً من الباطل إلى الحق مسلّماً لله سبحانه و هذه الآيات في مساق قوله تعالى: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى، قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [2] .
و الذي ينبغي أن يقال- والله العالم- أن من المعلوم أن المحاجة كانت جارية بين اليهود والنصارى في جميع موارد الاختلاف التي كانت بينهم، وعمدة ذلك نبوة عيسى عليه السلام وما كانت تقوله النصارى في حقه (أنه الله، أو ابنه أو التثليث) فكانت النصارى تحاج اليهود في بعثته ونبوته وهم على علم منه، و كانت اليهود تحاج النصارى، وتبطل ألوهيته و نبوته والتثليث وهم على علم منه فهذه محاجتهم فيما لهم به علم، وأما محاجتهم فيما ليس لهم به علم فمحاجتهم في أمر إبراهيم أنه كان يهوديا أو نصرانيا.
قال صاحب الميزان: (ليس المراد بجهلهم به جهلهم بنزول التوراة والإنجيل بعده وهو ظاهر، ولا ذهولهم عن أن السابق لا يكون تابعا للاحق فإنه خلاف ما يدل عليه قوله تعالى: ﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾ فإنه يدل على أن الأمر يكفي فيه أدنى تنبّه، فهم عالمون بأنه كان سابقا على التوراة و الإنجيل لكنهم ذاهلون على مقتضى علمهم وهو أنه لا يكون إبراهيم حينئذ يهوديا ولا نصرانيا بل على دين الله الذي هو الإسلام لله. لكن اليهود مع ذلك قالوا: إن دين الحق لا يكون إلا واحدا و هو اليهودية فلا محالة كان إبراهيم يهوديا، و قالت النصارى مثل ذلك فنصرت إبراهيم، و قد جهلوا في ذلك أمرا و ليس بذهول، وهو أن دين الله واحد، وهو الإسلام لله، وهو واحد مستكمل بحسب مرور الزمان واستعداد الناس من حيث تدرجهم بالكمال، و اليهودية و النصرانية شعبتان من شعب مراحل اكمال الإسلام الذي هو أصل الدين، و الأنبياء عليهم السلام بمنزلة لبناة هذا البنيان، لكل منهم موقعه فيما وضعه من الأساس ومما بنى عليه من هذا البنيان الرفيع. وبالجملة فاليهود والنصارى جهلوا أنه لا يلزم من كون إبراهيم مؤسسا للإسلام وهو الدين الأصيل الحق ثم ظهور دين حق باسم اليهودية أو النصرانية، وهو اسم شعبة من شعب كماله ومراتب تمامه أن يكون إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا بل يكون مسلما حنيفا متلبسا باسم الإسلام الذي أسسه وهو أصل اليهودية و النصرانية دون نفسهما، والأصل لا ينسب إلى فرعه بل ينبغي أن يعطف الفرع عليه). [3]
نحن اذا اردنا نذكر لب الكلام في مصب الآيات ان كلا من اليهود وانصارى كانوا يدعون ان الحق هو الديانة التي هم يتحلون بها، كما ان كلاهما كانوا يعترفون بحقانية ما عليه إبراهيم شيخ الأنبياء وفتخرون بانتمائهم اليه فكل واحد من الفرقتين كانوا يدعون ان إبراهيم كان على ما هم عليه والقران في هذه الآيات يريد مناقشة كلا الفريقين فيما هم عليه تحت عنوان اليهودية او النصرانية كما كل فرقة منهم كان يدعي انه على التوحيد فالقران أولا يدعوهم الى التوحيد ورفع اليد عن بعض العقائد والافعال التي شحون بالشرك في مقام الاعتقاد وفي مقام العبادة وفي مقام العمل فقال: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وينبههم بان ابراهيم أيضا كان حنيفا لايشرك بربه ومسلما له في جميع افعاله، فيدعوهم الى ما كان عليه إبراهيم وموسى وعيسى سلام الله عليهم ثم لمن لا يقبل هذا الاقتراح يقول: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾
فهذه الآيات يدعوهم بتطبيق ما هم يدّعون من التوحيد والابتعاد عن الشرك.
هنا نكتفي بهذا المقدار ونكون معكم في الجلسة القامة في متابعة البحث ان شاء الله