« قائمة الدروس
الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

46/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

تفسير الآية 68من سورة آل عمران/اهل الكتاب من منظر القرآن /التفسير الموضوعي

الموضوع: التفسير الموضوعي/اهل الكتاب من منظر القرآن /تفسير الآية 68من سورة آل عمران

قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.

في الأسابيع الماضية بحثنا حول هذه الآية المباركة التي تدعو اهل الكتاب لقرار سياسي ديني الى ما نشترك فيها في مجال العقيدة والتعامل مع الآخرين وهي تعلمنا ان نتخذ مواقف النصح والهداية لسائر الملل على مباني دينهم في اعتقاداتهم وفي شرائعهم وما احوجنا في هذا العصر الى هذا الأسلوب.

فندعو الآخرين الى التمسك ببعض الاعتقادات الحقة عندهم وكذلك القيم الأخلاقية من العدالة وبذل الخير والاجتناب عن الظلم والعدوان وفساد الاخلاق والاباحية والفسق والمجون فنحن كمسلمين نشارك جميع او جل الأديان في كثير من الاعتقادات والقيم، فما في تورات اليهود وانجيل النصارى والأوستا المجوس وغيرها من المتون الدينية ولو هي محرفة وفيها اباطيل والخرافات ولكن مع ذلك كلها ليست خلاف العقل والأخلاق الحسنة وخلاصة القول ما يجري في غزة بل ما يعمل الدول الجائرة من استضعاف البشر كلها خلاف للدساتير الواردة في الأديان البرهمائية وابراهيمية. فلو قمنا بحملة اصلاح في مقابل ما تُروِّجه الثقافة الغربية والحكومات المستكبرة لفعلنا امرا عظيماً في خدمة البشر ونشر السلام والتعامل العادل فيما بينهم ولعلّنا كمسلمين إذا كنا صاحب الشروع لمال كثير من الناس الى الإسلام ومذهب اهل البيت عليهم السلام دون ان نسعى في دعوتهم. وهنا ندخل في الآية التي تلي الآية التي وقفنا عندها في هذه الأسابيع وهي من الآيات التي تخاطب اهل الكتاب ايضاً.

قال تعالى: ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾ (65) ﴿ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (66) ﴿ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (67) ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (68)

ورد في شأن نزول هذه الآيات:‌

قال قي المجمع: (أن علماء اليهود ونصارى نجران جاءوا إلى النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأخذوا يجادلونه في إبراهيم، فقالت اليهود: أنه كان يهودياً، وقالت النصارى: أنه كان نصرانياً، وهكذا كلّ يدعي إبراهيم لنفسه لتكون له الغلبة والافتخار على خصمه. لأن إبراهيم عليه السّلام كان نبياً عظيماً لدى جميع الأديان والمذاهب، فنزلت الآيات أعلاه لتبيّن كذب هذه الادّعاءات). [1]

قال تعالى: ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ﴾ هذه الآية تعاتب اليهود النصارى، وتقول: إنّ جدلكم بشأن إبراهيم النبيّ المجاهد في سبيل اللّه جدل عقيم، لأنّه كان قبل موسى والمسيح بسنوات كثيرة، والتوراة والإنجيل نزلا بعده بسنوات كثيرة وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أ يعقل أن يدين نبيّ سابق بدين لاحق؟ ﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾؟

﴿ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾.

الظاهر ان هذه الآية تشير الى محاجتهم في الأمور التي تتعلق بدينهم وهذا التعبير لا يدل على صحة محاجاتهم بل يريد ان يقول هذا شأنكم لأنه دينكم الذي تعيشونه، ولكن قضية إبراهيم لا علاقة لها بكم ولا تعرفون منها شيئاً فلم تحاجون فيها، فوبّخهم اللّه في محاجاتهم فان اطراف الخلاف لا يمكن كلها كانت حقاً بل في كل موضع يكون احد الاطراف حق فلا محالة سائر الأطراف هم على الباطل، واحيانا يمكن بطلان طرفي القضية. فإنّكم قد بحثتم فيما يتعلّق بدينكم الذي تعرفونه ورئيتم كيف أنّكم حتّى في بحث ما تعرفونه قد وقعتم في أخطاء كبيرة وكم بعدتم عن الحقيقة، فقد كان علمكم، في الواقع، جهلا مركّبا، فكيف تريدون أن تجادلوا في أمر لا علم لكم به، ثمّ تدّعون ما لا يتّفق مع أيّ تاريخ؟

وفي نهاية الآية يقول: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ تأكيدا للموضوع السابق، وتمهيدا لبحث الآية اللاحقة. نعم، إن الله هو يعلم متى بعث إبراهيم عليه السّلام بالرسالة لا أنتم الذين جئتم بعد ذلك بزمن طويل وتحكمون في هذه المسألة بدون دليل.

ثم يرد على مدعى كلا الطرفين فقال: ﴿ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا﴾.

وهذا ردّ صريح على هذه المزاعم يقول إنّ إبراهيم لم يكن من اليهود ولا من المسيحيّين، وإنّما كان موحّدا طاهرا مخلصا أسلم للّه ولم يشرك به شيئا أبدا.

قال في الأمثل: («الحنيف» من الحنف، وهو الميل من شي‌ء إلى شي‌ء، وهو في لغة القرآن ميل عن الضلال إلى الاستقامة. يصف القرآن إبراهيم أنّه كان حنيفا لأنّه شقّ حجب التعصّب والتقليد الأعمى، وفي عصر كان غارقا في عبادة الأصنام، نبذ هو عبادة الأصنام ولم يطأ طي‌ء لها رأسا. إلّا أنّ العرب الذين كانوا يعبدون الأصنام في العصر الجاهلي كانوا يعتبرون أنفسهم حنفاء على دين إبراهيم. وقد شاع هذا شيوعا حدا بأهل الكتاب إلى أن يطلقوا عليهم اسم «الحنفاء». وبهذا اتّخذت لفظة «الحنيف» معنى معاكسا تماما لمعناها الأصلي، غدت ترادف عبادة الأصنام.)[2]

ولنا كلام في هذا الموضوع نطرحه في الأسبوع القادم ان شاء الله

 


logo