46/10/10
بسم الله الرحمن الرحیم
المراد من اهل الكتاب في القران/حول اهل الكتاب في منظر القران /التفسير الموضوعي
موضوع: التفسير الموضوعي/حول اهل الكتاب في منظر القران /المراد من اهل الكتاب في القران
نحن أنهينا بحثنا في محاضراتنا التفسيرية في السنوات الماضية حول الآيات المصدرة ب ﴿يا ايها الذين آمنوا﴾ وكانت عدد الآيات 89 الآية وتمت من خلال 165 محاضرة فبدئنا من 1\5\1442 وانتهينا في 2\9\1445 ثم تناولنا الآيات المصدرة ب ﴿يا أيها الناس﴾ وهي كانت 20 آية فانهينا البحث في 32 محاضرة وبدئنا بالبحث 15\10\1445وانهينا البحث في 26\9\1446 واستغلينا فرصة ليالي شهر رمضان لمتابعة محاضراتنا في كل سنة للإسراع في تقدم البحث.
واليوم نريد ان نفتح مبحثاً جديدا وهو دراسة موقع اهل الكتاب موضوعا وحكما من منظر القرآن الكريم وأول آية تخاطب اهل الكتاب قوله تعالى في سورة آل عمران:
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
قبل ان ندخل في دراسة خصوص هذه الآية المباركة اَوُدّ ان نلقي ضوءاً على عنوان اهل الكتاب من انه هل هو محصور على اليهود والنصارى كما عليه جمع من المفسرين والفقهاء او هو اعم منهما فيشمل سائر الاديان السماوية؟:
هذا البحث مما تناوله المفسرون لتبيين الآيات المشتملة على هذا العنوان وكذلك الفقهاء عند ما يريدون ان يعينوا من يقر على دينه ويؤخذ منهم الجزية وعند ما يريدون البحث عن طهارة اهل الكتاب وكذا في حلية طعامهم وحتى حلية ذبيحتهم عند مذاهب العامة وغيرها من الموارد.
قال في الجواهر: (إن المنساق من الكتاب في القرآن العظيم هو التوراة والإنجيل)،
ثم نقل ايضاً عن العلامة في منتهى دعوى الإجماع على أن اللام في الكتاب في آية الجزية للعهد إليهما،[1]
وقال المفيد في المقنعة بعد ما ذكر اختلاف الآراء في اهل الكتاب وتحدث حول الصابئين قال:
(فأما نحن فلا نتجاوز بإيجاب الجزية إلى غير من عددناه، لسنة رسول الله ص فيهم والتوقيف الوارد عنه في أحكامهم- وقد روي عن أمير المؤمنين ص أنه قال: "المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب"
والظاهر المراد من قول المفيد رضوان الله عليه: -نحن- بضمير المتكلم مع الغير أراد منه الطائفة.
ثم يقول: (فلو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدقية والديصانية عندي بالمجوسية أولى من الصابئين لأنهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسية وتكاد تختلط بها. فأما المرقونية والماهانية فإنهم إلى النصرانية أقرب من المجوسية لقولهم في الروح والكلمة والابن بقول النصارى، وإن كانوا يوافقون الثنوية في أصول أخر. وأما الكيثونية فقولهم يقرب من النصرانية لأصلهم في التثليث وإن كان أكثره لأهل الدهر. وأما السمنية فتدخل في جملة مشركي العرب وتضارع مذاهبها لقولها في التوحيد للبارئ وعبادتهم سواه تقربا إليه وتعظيما فيما زعموا عن عبادة الخلق له، وقد حكي عنهم ما يدخلهم في جملة الثنوية. فأما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه لأن جمهورهم يوحد الصانع في الأزل ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم، صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وأنه المدبِّر لما في هذا العالم، والدال عليه وعظّموا الكواكب وعبدوها من دون الله عز وجل وسماها بعضهم ملائكة، وجعلها بعضهم آلهة، وبنوا لها بيوتا للعبادات وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعباد الأوثان أقرب من المجوس، لأنهم وجهوا عبادتهم إلى غير الله سبحانه في التحقيق وعلى القصد والضمير وسموا من عداه من خلقه بأسمائه جل عما يقول المبطلون، والمجوس قصدت بالعبادة الله تعالى على نياتهم في ذلك وضمائرهم وعقودهم وإن كانت عبادة الجميع على أصولنا غير متوجهة في الحقيقة إلى القديم، ولم يسموا من أشركوا بينه وبين الله عز وجل في القدم باسمه في معنى الإلهية ومقتضى العبادة، بل من ألحقهم بالنصارى أقرب في التشبيه، لمشاركتهم إياهم في اعتقاد الإلهية في غير القديم، وتسميتهم له بذلك وهما الروح عندهم والنطق الذي اعتقدوه المسيح وليس هذا موضع الرد على متفقهة العامة فيما اجتنبوه من خلافنا فنشرحه وإنما ذكرنا منه طرفا لتعلقه بما تقدم من وصف مذهبنا في الأصناف وبيناه في التفصيل) [2]
قال الشيخ في الخلاف: (الصابئة لا يؤخذ منهم الجزية ولا يقرون على دينهم، وبه قال أبو سعيد الإصطخري، وقال باقي الفقهاء: إنه يؤخذ منهم الجزية، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [3] وقال: ﴿فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ﴾[4] ، ولم يأمر بأخذ الجزية منهم، وأيضا قوله تعالى: ﴿قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَلٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَلٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صٰاغِرُونَ﴾ [5] ، فشرط في أخذ الجزية أن يكونوا من أهل الكتاب، وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب) [6] .
قال السيد لإمام الخامنئي: (إن عنوان «أهل الكتاب» في القرآن الكريم وإن كان لا يبعد أن يراد به اليهود والنصارى على ما ربما يشهد به التتبع والتأمل إلا أن عنوان «الكتاب» في الآيات الشريفة القرآنية إذا استعمل مجردا عن ذاك التعبير التركيبي (أهل الكتاب) خاليا عن قرينة معينة، لا يراد به التوراة والإنجيل أو كتاب خاص آخر من كتب الأنبياء السالفة، بل يراد به مطلق ما نزل من السماء وحيا على نبي من أنبياء الله (عليهم السلام)، من غير اختصاص أو إشارة إلى كتاب خاص، وهذا أيضا مما يشهد به التتبع والتأمل في تفاصيل الآيات، بناء عليه فالكتاب في آية الجزية هو الأعم من التوراة والإنجيل، ولا شاهد على تقييده بهما، بل يشهد على كونه أعم منهما أنه يشمل كتاب المجوس بإجماع الأمة وبمعونة الروايات الحاكية عن أن للمجوس كتابا، وهكذا يتضح أيضا أنه لا شاهد على تقييده بالكتب المشرعة، أي التي جاءت بدين جديد؛ إذ الظاهر أن كتاب المجوس ليس من الكتب المشرعة، ونبيهم ليس من أولي العزم، فإطلاق الكتاب في الآية الشريفة يشمل غيره.
ثم يتابع قوله فقال:
(ولزيادة الإيضاح في ذلك نقول: إن الظاهر من معنى الكتاب في الكلام عن الأنبياء و الأديان الإلهية، هو الحد الفاصل والمائز الفكري والاعتقادي والعملي بين الإيمان والكفر، فالكتاب هو الوحي الإلهي الذي يخرج الأفراد والجماعات عن ربقة الأديان البشرية و المجعولة كعبادة الأصنام والآلهة المزعومة، ويسوقهم إلى دين الله تعالى وعبادته، فهو الصحيفة الإلهية المشتملة على معرفة الله تعالى ومعرفة الحقائق التي تتصدى لتشريحها وتحقيقها الرسالات السماوية، والتي تقابل الإلحاد والشرك والوثنية، وهذا معنى عام يشمل أنواع الكتب السماوية، قال الله تعالى: ﴿وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لٰا يَعْلَمُونَ الْكِتٰابَ﴾ [7] ، وقال تعالى أيضا ﴿وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ﴾[8] ، فجعل أهل الكتاب والعلماء به في مقابلة الأميين، ويريد بهم عباد الأصنام، وقال تعالى ﴿مٰا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ [9] ، فجعل الكتاب في مقابلة الشرك، وقال تعالى ﴿كٰانَ النّٰاسُ أُمَّةً وٰاحِدَةً فَبَعَثَ اللّٰهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾،[10] فجعل الكتاب مائزا للنبوة وحاكما لأهل الدين في ما اختلفوا فيه).
فاستفاد سماحته من خلال هذه الآيات وغيرها ان الكتاب في مصطلح القران يستمل في جميع الكتب السماوية،
ثم قال:
(ومن الواضح أن هذه صفات لعامة كتب الله تعالى، فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الكتاب في مصطلح القرآن الكريم هو ما ينزل من الله تعالى على أنبيائه لهداية الناس والحكم فيهم وإخراجهم من ظلمات الكفر والشرك والإلحاد، فلم لا يكون الكتاب في آية الجزية بنفس المعنى؟! وأي شاهد على استعماله في الأخص منه؟) [11]
ويدل على ما تفضل به سماحة الامام الخامنئي في بحثه حول الصابئة من كون عنوان الكتاب شامل لكل الكتب السماوية، آيات من القران وروايات من اهل البيت عليهم السلام نتعرض لها في المحاضرة القادمة ان شاء الله.