46/09/15
بسم الله الرحمن الرحیم
تفسير الآيتين3-5 من سورة الفاطر/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /التفسير الموضوعي
الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآيتين3-5 من سورة الفاطر
قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾[1]
في الليلة الماضية تحدثنا حول الآية الأولى وهي تشتمل على الدعوة الى الله بذكر نعمته وكان هو صلوات الله عليه حريصا على هداية الناس كما ورد في وصفه: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [2] وهكذا في الآية الثامنة من نفس السورة حيث قال: ﴿أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ [3] فذكر المعجب بنفسه بما يسوء ثم يحذر النبي من ان تسبب شدة الحسرة فوته ويسليه وينبهه بعلم الله بما يصنعون، كذلك في هذه الآية يسلّيه ربه بقوله: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾[4] أي هذا الامر ليس شيئاً جديدا بل سائر الرسل واجهوا تكذيب قومهم رسالتهم وعدم إستجابتهم لنبيهم مضافا الى ان الله هو الحَكم و ترجع الأمور اليه وهو خير حكم لخلقه.
قال تعالى: في الآية الخامسة من هذه السورة موجها كلامه الى الناس مرة أخرى فقال: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [5] هنا ايضاً خطابه جامع لجميع الناس ويذكرهم بالمعاد كما كان في الخطاب العام السابق ذكّرهم بتوحده تعالى في الربوبية والألوهية. وكلا الأمرين حاجة للمسلم والمشرك لان الاغترار بالحياة الدنيا والغرور وهو الشيطان مبتلى به للجميع. فلا داعي لحصر الناس في الآيتين بالمشركين في أصل الدين.
قال في الميزان: (الغَرور بفتح الغين صيغة مبالغة من الغُرور بالضم وهو الذي يبالغ في الغرور ومن عادته ذلك، والظاهر- كما قيل- إن المراد به الشيطان ويؤيده التعليل الواقع في الآية التالية: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ إلخ. ومعنى غروره بالله توجيهه أنظارهم إلى مظاهر حلمه وعفوه تعالى تارة ومظاهر ابتلائه واستدراجه وكيده أخرى، فيرون أن الاشتغال بالدنيا ونسيان الآخرة والإعراض عن الحق والحقيقة لا يستعقب عقوبة ولا يستتبع مؤاخذة، وأن أبناء الدنيا كلما أمعنوا في طلبهم وتوغلوا في غفلتهم واستغرقوا في المعاصي والذنوب زادوا في عيشهم طيباً وفي حياتهم راحةً وبين الناس جاهاً وعزّة فيلقي الشيطان عند ذلك في قلوبهم أن لا كرامة إلا في التقدم في الحياة الدنيا، ولا خبر عما وراءها وليس ما تتضمنه الدعوة الحقة من الوعد والوعيد وتخبر به النبوة من البعث والحساب والجنة والنار إلا خرافة). [6]
قال في الأمثل: (ثمّ تنتقل الآيات لتوضيح أهم البرامج للبشرية، فتقول الآية الكريمة: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ فالقيامة والحساب والكتاب والميزان والجزاء والعقاب والجنّة والنار كلّها وعود إلهية لا يمكن أن يخلفها اللّه تعالى) [7] .
وقول الله تعالى في مختتم الآية: ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ تفريع على حقانية وعود الله فلا ينبغي أن تخدعكم الحياة الدنيا، ولا يخدعكم الشيطان بعفو اللّه ورحمته).
بين الله لعباده ان عوامل الإثارة، وزخارف الدنيا وزبارجها، تملأ قلوبكم، وتلهيكم عن تلك الوعود الإلهيّة العظيمة، لأن شياطين الجنّ والإنس لا يزال ساعي بوساوسها وإغرائاتها وبمختلف وسائل الخداع والاحتيال، في انحرافكم عن الحق والغفلة عن التفكير فيما وراءكم من الموعود، فما نرى من تكرار التنبيه للناس مرة بعد مرة لكيلا يغترّوا بزخارف الدنيا ووساوس الشياطين فأشار الى كلا الطريقين الذين هما سببين في انحراف الانسان عن الحق وسقوطه في مهاوي الضلال. دنيا بمغرياتها كالجاه والمقام والمال والكبرياء وأنواع الشهوات التي تجذب الانسان الى نفسها وتبعده عن ربه. والشيطان الذي يوجب اغتراره بعفو اللّه وكرمه، كما إنّ الشيطان يزيّن الدنيا في نظر الإنسان ويصوّرها له متاعا مباحا وجذّابا ومحبّبا وقيّما من جهة. وكلّما يتوغل العبد الى زخارف الدنيا كلما يغريه الشيطان بعفو اللّه ورحمته، فيدفعه إلى التسويف والطغيان وارتكاب الذنوب. غافلا عن أنّ اللّه سبحانه هو "ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة" وفي نفس الوقت هو "اشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة"[8] فلا ينبغي نجعل رحمته باعثا على المعصية، ولا ان نجعل غضبه سببا لليأس والقنوط.
ان بعض المفسّرين، لهم تحليل خاص لا يخلو من اللطف ملخّصه: (أنّ الناس الذين يتعرضون لعوامل الخداع والإغراء ثلاثة أصناف:
صنف ضعيف وليس له قدرة بحيث أنّه يخدع بأبسط الحيل.
صنف أقوى من الأوّل، لا يخدعون فقط بزخرف الدنيا وزبرجها، بل مع ضمّ وساوس الشياطين الذين يعملون على تحريك شهواتهم ويهوّنون لهم مفاسد أعمالهم عندها يمكن خداعهم. فالملذّات الدنيوية من جهة، والوساوس الشيطانية من جهة اخرى، تدفعهم إلى ارتكاب أعمال قبيحة وسيّئة.
3- أمّا الصنف الثالث وهو الأقوى والأعلم، فهم لا يغتّرون بأنفسهم ولا يمكن لأحد خداعهم. وجملة ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ إشارة إلى الصنف الأوّل، وجملة ﴿وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ إشارة إلى الصنف الثاني، وأمّا الصنف الثالث فهم مصداق قوله: ﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ [9] .
في الآية التي تليها يركز على الشيطان والتحذير عنه فقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ وفي هذه الآية المباركة إشارة على إرادة الانسان تجاه وساوس الشيطان وحبائله فمن اتخذه عدواً هو مصون من شره ومن دخل في حزبه فهو المصاب بضلالاته وشره كما يصرح بهذا المعنى في سورة النور حيث يقول تعالى:
﴿فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ﴿إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [10]
كما ان اكثر استيلاء الشيطان على العبد يكون متدرجاً ويعبر عنه في القرآن بخطوات ففي خاتمة كلامنا نذكر مواقع تسرب الشيطان الى قلب الانسان وانما نأتي بنص الآيات وعليكم بالتفكير فيها:
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[11]
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[12]
﴿وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[13]
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[14]