« قائمة الدروس
الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

46/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الآية الخامسة والسابعة من سورة الحج/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /افسير الموضوعي

موضوع: افسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /الآية الخامسة والسابعة من سورة الحج

﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى‌ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‌ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً، وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى‌ وَأَنَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾[1]

قبل الدخول في تفسير الآية نقف وقفة عند بعض مفردات الآية:

المراد بالبعث: إحياء الموتى والرجوع إلى الله سبحانه، والعلقة: (القطعة من الدم الجامد)، والمضغة: (القطعة من اللحم الممضوغة)، والمخلقة: (على ما قيل- تامة الخلقة)، وغير المخلقة: (غير تامتها)، وينطبق على تصوير الجنين الملازم لنفخ الروح فيه، وعليه ينطبق القول بأن المراد بالتخليق التصوير. المراد بأرذل العمر: (أحقره وأهونه)،‌ هامدة: (قال الراغب: يقال: همدت النار طفئت، ومنه أرض هامدة لا نبات فيها، ونبات هامد يابس‌)، وقال: الهز (التحريك الشديد يقال: هززت الرمح فاهتز واهتز النبات إذا تحرك لنضارته)، وقال أيضا: (ربا إذا زاد وعلا)

اما تفسير الآية قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ﴾ بما ان البعث في الجملة مورد لقبول جميع الأديان السماوية فمن ينكر انما يستغرب حصوله ولذلك قال: ﴿ان كنتم في ريب﴾ أي ان تشككون في البعث، مثلا كانوا يقولون: ﴿أ إذا متنا وكنا ترابا وعظاما أ إنّا لمبعوثون﴾ [2] ومثله في سورة صافات الآية 16 وقد ورد نفس العبارة في الآية 53 منها مزيلاً: ب﴿أإنا لمدينون﴾ وفي سورة ق ﴿أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد﴾ [3] وآيات أخرى تنطق بنفس المضامين في انكار المعاد وكثير من المنكرين يتعمدون الى الانكار ليفتحوا أمامهم ارتكاب المحرمات والقبائح، قال تعالى: ﴿بَلْ يُريدُ الإنسانُ لِيَفْجُرَ اَمَامَهْ يَسْأَلُ اَيّانَ يُوْمُ القيامة﴾ [4]

ثم قال:﴿فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾

فبيّن في هذا المقطع من الآية ست مراحل من تكوّنِ الانسان التي تمرّ على كل مولود وقوله: ﴿خلقناكم من تراب﴾ له محملين أولاً: كلنا من آدم وآدم خلق من تراب، ثانياً: النطفة هي منتَج ما يأكله الانسان من الأطعمة ومبدأ جميع الأطعمة هو ما ينبت من التراب حتى اللحوم التي نأكلها من الحيوانات التي تأكل من نبات الأرض، ولم يدّعِ أحد انه خلقهم او له دخل في طي هذه المراحل وكون هذا الفعل من الله تعالى امر بيّن، قال تعالى: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ ظاهر السياق أن المراد من التدرج في الكمال وعدم جعلنا دفعة واحدة لنبين لكم أن البعث ممكن، ونزيل الريب عنكم، فإن مشاهدة الانتقال من التراب الميت إلى النطفة ثم إلى العلقة ثم إلى المضغة ثم إلى الإنسان الحي لا تدع ريبا في إمكان تلبس الميت بالحياة أيضاً 9ولذلك وضع قوله: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ في هذه المرحلة من تكامل الانسان ولم يؤخرها إلى آخر الآية.

وقوله: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى‌ أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي ونقرّ فيها ما نشاء من الأجنة ولا نسقطه إلى تمام مدة الحمل، ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾، والطفل هو الصغير من الإنسان.

قال في المجمع: (وإنما وُحّد والمراد به الجمع لأنه مصدر كقولهم: رجل عدل ورجال عدل، وقيل: أراد ثم نخرج كل واحد منكم طفلا).

اما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ المراد ببلوغ الأشد حال اشتداد الأعضاء والقوى وهو من مراحل كمال الانسان في بدنه، ثم يتابع الله كلامه في بيان مراحل الكمال فقال: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‌ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ كان الله تعالى اراد ان يبين ان الانسان بعد ما تم خلقه لم يضمن له عمر معين من زمن كماله والوصول الى الأشد فبعضهم یموتون فی الاثناء وبعضهم یصلون الى آرذل العمر ثم فی قوله تعالى: ﴿لكيلا لا يعلم﴾ اللام ليس لغاية الفاعل عن فعله بل لبيان غاية المفعول ونهايته وما وصف الله حال المعمرين ليس ضروري لهم بل هو بيان لحال الاغلب ولكن كثير من المعمرين خصوصاً العلماء والمفكرين يملكون جودة فهمهم الى آخر لحظات من حياتهم كما ان الامام الخميني كان في فراش الموات ودبر مستقبل وضع الجمهورية الإسلامية بسياسة حكيمة ذكية لو لم يفعل كان هناك مشاكل في انتظار النظام الحاكم في ايران والاعداء قد توسموا الشر في فقد الامام ولا مجال لتوضيح الأمور التي أراد المعارضون استغلالها لإيجاد التوتر والقاء الزعزعة في أساس الحكم الإسلامي. وكم من الرجال كانوا الى اخر لحظات من عمرهم على الاهبة والاستعداد الفكري والعلمي كما كانوا في عصر شبابهم.

الى هنا استدلت الآية لتقريب الأذهان للإذعان بيوم البعث، بنشأة الانسان ثم في المقطع الثاني من الآية، تستدل على البعث بإحياء الأرض وولادة النباتات فقال: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ وما يجري في الأرض من انبات النباتات كذلك من الآيات التي يراها كل انسان وفيها اعاجيب تجري في الأرض الهامدة التي لا نبات فيها الا شيء قليل يابسة بنزول المطر تنقلب الأرض الى ساحات جميلة وتخالف تماما عن الحالة التي كانت تعيشها والتنوع النباتي بألوانها وطعومها وهيئتها هي مما يبهر العقول وكيف هذه النباتات اللطيفة والضعيفة تشق الأرض وتخرج منها ولا توافق ابدا مع التراب في صفاتها وخصوصياتها وهذا الامر يتحقق في أيام عديدة فمن يرى قدرة الله تعالى في افعاله في نشأة الحيوانات والنباتات من خضر وأشجار كيف يستغرب إعادة الانسان الى قيد الحيات وقد أجاب الله هذا السؤال في آيات منها ما ورد في سورة يس فقال: ﴿أَ وَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ أَ وَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ﴾ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾ [5] يس

ثم في الآية مبحوث عنها يقول: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى‌ وَأَنَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾

ان صاحب الميزان في بيان هاتين الآيتين الأخيرتين قال: (والذي يعطيه السياق أن المراد بالحق نفس الحق- أعني أنه ليس وصفا قائما مقام موصوف محذوف هو الخبر- فهو تعالى نفس الحق الذي يحقق كل شي‌ء حق ويجري في الأشياء النظام الحق فكونه تعالى حقا يتحقق به كل شي‌ء حق هو السبب لهذه الموجودات الحقة والنظامات الحقة الجارية فيها، وهي جميعا تكشف عن كونه تعالى هو الحق).

ثم قال: (وأما الوجه في اختصاص هذه النتائج الخمس المذكورة في الآيتين بالذكر مع أن بيان السابقة ينتج نتائج أخرى مهمة في أبواب التوحيد كربوبيته تعالى ونفي شركاء العبادة وكونه تعالى عليما ومنعما وجوادا وغير ذلك. فالذي يعطيه السياق- والمقام مقام إثبات البعث- وعرض هذه الآيات على سائر الآيات المثبتة للبعث أن الآية تؤم إثبات البعث من طريق إثبات كونه تعالى حقا على الإطلاق فإن الحق المحض لا يصدر عنه إلا الفعل الحق دون الباطل، ولو لم يكن هناك نشاة أخرى يعيش فيها الإنسان بماله من سعادة أو شقاء واقتصر في الخلقة على الإيجاد ثم الإعدام ثم الإيجاد ثم الإعدام وهكذا كان لعبا باطلا فكونه تعالى حقا لا يفعل إلا الحق يستلزم نشاة البعث استلزاما بينا فإن هذه الحياة الدنيا تنقطع بالموت فبعدها حياة أخرى باقية لا محالة). ولنعم ما قال.

ومن براهين المعاد التوجه الى غناء الله وكونه رحيماً بعباده وفياضاً فالاكتفاء بهذه الدنيا المشحونة بالمكاره لا ينسجم مع رحمة الله وغناه وهناك ايات تشير الى هذه المعنى نذكر بعضها تتميما للمحاضرة.

 

قال تعالى: ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [6]

وقوله تعالى: ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾[7]

وغيرهما من الآيات المتعرضة لإثبات المعاد، بعضها تثبت المعاد من طريق حقية فعله والخروج عن لغويته و بعضها من طريق حقية ذاته تعالى في نفسه.

 


logo