« قائمة الدروس
الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

46/06/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الآية الاولى والثانية من سورة الحج/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /افسير الموضوعي

موضوع: افسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /الآية الاولى والثانية من سورة الحج

﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‌ءٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى‌ وَما هُمْ بِسُكارى‌ وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ حقبل الدخول فی تفسیر الآية نقف وقفة عند بعض مفرداتها:

قال فی المجمع: (الزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة وقيل إن أصله زل فضوعف للمبالغة وأثبته البصريون قالوا إن زل ثلاثي وزلزل رباعي وإن اتفق بعض الحروف في الكلمتين لأنه لا يمتنع مثل هذا أ لا ترى أنهم يقولون دمث ودمثر وسبط وسبطر وليس أحدهما مأخوذا من الآخر وإن كان معناهما واحدا لأن الزاي ليست من حروف الزيادة)

وقال فی المیزان: (الزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة وكأنه مأخوذ بالاشتقاق الكبير من زل بمعنى زلق فكرر للمبالغة والإشارة إلى تكرر الزلة، وهو شائع في نظائره مثل ذب وذبذب ودم ودمدم وكب وكبكب ودك ودكدك ورف ورفرف وغيرها).[1]

والذهول: (الذهاب عن الشي‌ء دهشا وحيرة يقال ذهب عنه يذهل ذهولا وذهلا بمعنى) [2]

والحمل بمعنی محمول، قال صاحب المجمع: (الحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة، والحمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أو على رأس).[3]

اما مفردة مرضعة فقال فیها الذمخشری: (إن قيل: لم قيل: «مُرْضِعَةٍ» دون مرضع؟ قلت: المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل: مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة).[4]

اما تفسیر الآية: ان هذه السورة المباركة معدود من السور المدنية ونحن عند ما نتأمل فی سور القرآن نرى ميزة بين السور المكية والسور المدنية فالسور المكية جل ما تتصدى له من الموضوعات هي ما يتعلق بالدعوة الى التوحيد ونبذ الشرك والدعوة الى المعاد والتذكر اهوال الأخرة والتخويف عن العقاب وما يعترف به الوجدان و سائر الأديان والنحل الرائجة في ذاك العصر، اما السور المدنية تتعرض لدعوة الى مفردات شريعة الإسلام والدعوة الى الصلاة والذكاة والجهاد في سبيل الله والى جميع الاعمال الصالحة والتحذير عن معصية الله ولكن سورة الحج نكحتها نكحة السور المكية وبين صاحب الميزان سر هذا التفاوت وقال:

(السورة تخاطب المشركين بأصول الدين إنذارا وتخويفا كما كانوا يخاطبون في السور النازلة قبل الهجرة في سياق يشهد بأن لهم بعد شوكة وقوة، وتخاطب المؤمنين بمثل الصلاة ومسائل الحج وعمل الخير والإذن في القتال والجهاد في سياق يشهد بأن لهم مجتمعا حديث العهد بالانعقاد قائما على ساق لا يخلو من عدة وعدة وشوكة. ويتعين بذلك أن السورة مدنية نزلت بالمدينة ما بين هجرة النبي ص وغزوة بدر وغرضها بيان أصول الدين بيانا تفصيليا ينتفع بها المشرك والموحد وفروعها بيانا إجماليا ينتفع بها الموحدون من المؤمنين إذ لم يكن تفاصيل الأحكام الفرعية مشرعة يومئذ إلا مثل الصلاة والحج كما في السورة. ولكون دعوة المشركين إلى الأصول من طريق الإنذار وكذا ندب المؤمنين إلى إجمال الفروع بلسان الأمر بالتقوى بسط الكلام في وصف يوم القيامة وافتتح السورة بالزلزلة التي هي من أشراطها وبها خراب الأرض واندكاك الجبال).[5]

ونِعْمَ ما قال، فان المشرکین کانوا لا زال يرون المسلمين في القلة والضعف ويرون انفسهم فوق المسلمين قوة وبطشاً، حتى قامت غزوة بدر الكبرى ورغما لما كان نيتهم مواجهة غافلة التجارة للقريش التي لم تكن عندها السلاح والعتاد اللازم للحرب. والمسلمون بعکس ذلك لا یتوقعون لانفسهم قوة التصدي لحرب قريش وسائر المشركين.

وخلافا لتوقع المسلمين انقلبت الميدان الى الحرب والمواجهة المسلحة بتفاصيل وردت في التاريخ ونحن لسنا بصدد ذكرها يصف الله الموقف في سورة الانفال بقوله تعالى:

﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [6]

نعم غزوة بدر الكبرى من أوضح المصاديق لغلبة الحق على الباطل بنصر الله ولو لم يكن تكافؤ بين القوى وقد جربنا هذه العناية من الله تعالى منذ انتصار الثورة الإسلامية فالحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية بواسطة البعثيين نيابة عن أمريكا واذنابها كانت من مصاديقها الجلية فرغما لتواطؤ اكثر الدول ولا سيما دول الجوار قد نصر الله هذه الجمهورية الفتية على تلك الأحزاب ورغما لجميع الخسارات الواردة على ايران وشعبها الخسارات الإنسانية والاقتصادية والعمرانية ازدهرت هذه الشجرة المباركة.

كذلك ما جرى في العراق من احتلال امريكي بنية الاستيلاء الكامل على خيرات هذا البلد المبارك ولكن لله الحمد منذ دخلت أمريكا الى العراق انتشر فيهم البصيرة ولم يتركوا أمريكا ليشرب ماء هنيئا واضطرت ان تترك الحضور في المدن وانحصرت في معسكراتها ويوما بعد يوم نشعر في الشعب العراقي بالرقيّ على مدارج العزّة والمناعة وأصبح الشعب العراقي شعبا يُحسب لها الف حساب وما استطاعوا ان يفصلوا بين الشعبين الشقيقين ايران العراق بل احسوا بانه لا يمكن الفراغ.

والجرائم الكبيرة التي ارتكبتها الصهاينة بمشاركة عالم الاستكبار وعملائهم في المنطقة ولكن بحمد الله ما وصلوا الى أهدافهم الخبيثة ولو قتلوا ما يقرب من خمسين الف شهيد واضعافها الجريح وهدم آلاف من البيوت والابنية في الغزة ولبنان وسوريا وصارت كل هذه الجرائم فضيحة لهم في العالم وزالت قناع النفاق عن وجوههم وهذا انتصار كبير من الناحية السياسية والاجتماعية والعسكرية وحتى الاقتصادية في مقتبل الزمان. والحمد لله على كل حال. وعذرا عن إطالة الكلام.

قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‌ءٌ عَظِيمٌ﴾

الخطاب يشمل الناس جميعا من مؤمن وكافر وذكر وأنثى وحاضر وغائب وموجود بالفعل ومن سيوجد منهم، وذلك بجعل بعضهم من الحاضرين وصلة إلى خطاب الكل لاتحاد الجميع بالنو

وهو أمر الناس أن يتقوا ربهم فيتقيه الكافر بالإيمان والتوجه الى الله والمؤمنون یتقونه بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه في الفروع، مضافا الى مزيد الرسوخ في الأصول ايضاً.

وقد علل الله لزوم الاتقاء بعظم زلزلة الساعة فهو دعوة من طريق الإنذار.

ونسبة الزلزلة إلى الساعة اما لكونها من أشراطها وأماراتها، واما هی بنفسها مرحلة من مراحل القیامة. ثم تشرح عظمتها بقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾

ثم هناک خلاف بین المفسرین او ترديد في المراد من هذه الساعة هل هي عند النفخة الصور الأولى حيث تتهدم هذا العالم الدنيوي ويموت الجميع او هي عند النفحة الثانية يوم العود الى الحياة والمحشر بجميع تفصيلاتها مما يقرب المعنى الأول هو ما ورد في الآية من ذهول المرضعات و وضع الحمل للحاملات من شدة الهول و وقوع الناس في حالة كالسكر وقوله: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكارى‌ وَما هُمْ بِسُكارى﴾‌ كما ورد حول النفخة الأولى قريبا من هذه التعابير في قوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى‌ فَإِذا هُمْ‌ قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾[7]

ومن يحمل هذه الزلزلة الى يوم الحشر يجعل كل الحالات المذكورة بيان فرض غير واقع أي: لوكان الناس موجودين والمرضعات لحصلت لهم هذه الاهوال. وكما ترون هذا تكلف في تعيين المراد وخروج عن ظاهر المفاد والعلم عند الله.

وقد يأتي تسائل في هذه الآية: لماذا قال: ﴿يوم ترونها﴾ بصيغة الجمع ثم قال: ﴿وترى الناس سكارى﴾ بصيغة المفرد؟ قد اجابوا عن هذا السؤال:

(بأن الرؤية أولاٌ علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعاٌ رائين لها، وهي معلقة أخيراٌ بكون الناس على حال السكر فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائياٌ لسائرهم). هذا التبرير ليس متينا لانه كما ان كل واحد منهم يرى غيره يرى نفسه بالأولى لان حالة الدهشة قائمة على نفسه فعلمه بها علم حضوري

وعلمه بحالة الاخرین علم حصولی.

والامر الأخر اللذی یخطر ببالی هو ان الخطاب المفرد متوجه الى رسول الله صلى الله عليه واله وهو لا يعيش حالة مثل السكر وهو مصون عن تلك الاهوال فالسرّ في الإفراد كونه خطاب لمن لا يشارك آخرين في مهنتهم.

واود ان اختم بحثی بروایة رواها عدة من المفسرین عن الدر المنثور،بسنده عن عمران بن حصين قال": لما نزلت «﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ- إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‌ءٌ عَظِيمٌ﴾ إلى قوله: «﴿وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾»- أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال: أ تدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار. قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة.

فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله ص: قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط- إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدة من الجاهلية- فإن تمت وإلا أكملت من المنافقين، وما مثلكم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة- أو كالشامة في جنب البعير.

ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة- فكبروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا. قال: فلا أدري قال: الثلثين، أم لا؟).

اقول: هذه الرواية مروية بطرق العامة غير صحيحة السند ولكنها مذكورة في كثير من التفاسير.

 


logo