47/05/24
بسم الله الرحمن الرحیم
كثير الشك/الشكوك التي لا اعتبار بها /كتاب الصلاة
الموضوع: كتاب الصلاة/الشكوك التي لا اعتبار بها / كثير الشك
(الرابع: شكّ كثير الشك وإن لم يصل إلى حدّ الوسواس، سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط، فيبني على وقوع ما شكّ فيه، وإن كان في محلّه، إلّا إذا كان مفسداً، فيبني على عدم وقوعه، فلو شكّ بين الثلاث والأربع؟ يبني على الأربع، ولو شكّ بين الأربع والخمس؟ يبني على الأربع أيضاً، وإن شكَّ أنّه ركع أم لا؟ يبني على أنّه ركع، وإن شكّ أنّه ركع ركوعين أم واحداً؟ بنى على عدم الزيادة، ولو شكّ أنّه صلّى ركعة أو ركعتين؟ بنىٰ على الركعتين، ولو شكّ في الصبح أنّه صلّى ركعتين أو ثلاثاً؟ بنى على أنّه صلّى ركعتين، وهكذا،
ولو كان كثرة شكّه في فعل خاصّ يختصُّ الحكم به، فلو شكّ اتّفاقاً في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشكّ، وكذا لو كان كثير الشكِّ بين الواحدة والاثنتين لم يلتفت في هذا الشكّ، ويبني على الاثنتين، وإذا اتّفق أنّه شكَّ بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع وجب عليه عمل الشكّ من البناء والإتيان بصلاة الاحتياط، ولو كان كثير الشكِّ بعد تجاوز المحلّ ممّا لا حكم له دون غيره. فلو اتّفق أنّه شكّ في المحلِّ وجب عليه الاعتناء، ولو كان كثرة شكّه في صلاة خاصّة أو الصلاة في مكان خاصّ (2) ونحو ذلك اختصّ الحكم به، ولا يتعدّى إلى غيره).
كان بحثنا في اليوم الماضي حول الرابع من الشكوك التي لا اعتبار بها والمصنف بيّنها اجمالا في كبرى وهو قوله: (شكّ كثير الشك وإن لم يصل إلى حدّ الوسواس، سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط، فيبني على وقوع ما شكّ فيه، وإن كان في محلّه، إلّا إذا كان مفسداً، فيبني على عدم وقوعه)،
وذكرنا في اليوم الماضي بعض الروايات التي يستدل بها لهذه الكبرى:
منها: صحيحة ابن سنان عن غير واحد قال الامام عليه السلام فيها: "إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ"
ومنها: موثقة عمار يسأل عن الامام: "فِي الرَّجُلِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ فِي الصَّلَاةِ"- الى جواب الامام: "لَا يَسْجُدُ وَلَا يَرْكَعُ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ- حَتَّى يَسْتَيْقِنَ يَقِيناً"
ومنها: خبر عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَشُكُّ- فَلَا يَدْرِي وَاحِدَةً صَلَّى أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً أَوْ أَرْبَعاً- تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ قَالَ كُلُّ ذَا قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ- قَالَ فَلْيَمْضِ فِي صَلَاتِهِ- وَيَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ- فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ"
ونضيف اليوم الى تلك الروايات ما ارسله الصدوق قَالَ: قَالَ الرِّضَا عليه السلام: :إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ- فَامْضِ عَلَى صَلَاتِكَ وَلَا تُعِدْ".[1] هذا الحديث مرسل ولكن من الروايات التي نسبه الصدوق الى امام الرضا عليه السلام وبعض فقهائنا يطمئنون بما أرسله الصدوق الى المعصومين اذ استفادوا من هذا التعبير اطمئنانه على ان القول قول المعصوم عليه السلام وعلى كل حال لا اقل يفيد للتأييد.
ومنها: ما رواه الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّ الصَّادِقَ عليه السلام قَالَ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يَسْهُو فِي كُلِّ ثَلَاثٍ- فَهُوَ مِمَّنْ كَثُرَ عَلَيْهِ السَّهْوُ". [2]
في السند محمد بن ابي حمزة وهو ابن الثمالي وثقه الكشي عند ترجمة ثابت بن دينار أبيه بقوله: (محمدا هذا فاضل ثقة). فالسند صحيح ويستند الى هذه الصحيحة للمراد من الكثرة لموضوع كثير الشك.
ومنها: ما رواه كليني عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ وَأَبِي بَصِيرٍ جَمِيعاً قَالا: قُلْنَا لَهُ: "الرَّجُلُ يَشُكُّ كَثِيراً فِي صَلَاتِهِ- حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَلَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ؟- قَالَ: يُعِيدُ، قُلْنَا: فَإِنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّمَا أَعَادَ شَكَّ؟ قَالَ: يَمْضِي فِي شَكِّهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُعَوِّدُوا الْخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ نَقْضَ الصَّلَاةِ فَتُطْمِعُوهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ مُعْتَادٌ لِمَا عُوِّدَ، فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الْوَهْمِ وَلَا يُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ الشَّكُّ، قَالَ زُرَارَةُ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبِيثُ أَنْ يُطَاعَ، فَإِذَا عُصِيَ لَمْ يَعُدْ
إِلَى أَحَدِكُمْ". سندها أيضا صحيح اعلائي، والدلالة واضحة مؤكدة حيث يقول الإمام عليه السلام مرة "يَمْضِي فِي شَكِّهِ" ثم يؤكد بقوله: "لَا تُعَوِّدُوا الْخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ نَقْضَ الصَّلَاةِ فَتُطْمِعُوهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ مُعْتَادٌ لِمَا عُوِّد" ومرة ثالثة يؤكد ويأمر بالمضي بقوله: "فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الْوَهْمِ وَلَا يُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلَاةِ" ثم في الأخير: يقول: "إِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبِيثُ أَنْ يُطَاعَ، فَإِذَا عُصِيَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَحَدِكُمْ"
فهذه التاكيدات المتعددة لاتترك مجالا للشبهة في لزوم المضي لكثير الشك.
قد يأتي الى البال لماذا لما سألا عن "الرَّجُلُ يَشُكُّ كَثِيراً فِي صَلَاتِهِ- حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَلَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ؟-أجاب الامام عليه السلام بقوله: "يُعِيدُ" وهو امر بالاعادة والسؤال كان عمّن يشك كثيرا ثم عند ما يكررون السؤال يأمرهم بالمضي في الصلاة بتلك التأكيدات الشديدة؟
الجواب عن هذه الشبهة ان الكثرة والقلة من المقولات الإضافية كسائر المقادير كالطويل والقصير والفوق والتحت وغيرها من المقولات التي لا يتم معناها الا بالمقارنة: وقد يكون المقارن به هو المقدار المعتاد في تلك الطبيعة، فيقال: لمن زاد طول قامته عن مأة وسبعين ساني متراً طويل القامة ومن قصر عن المتر والنصف، قصير القامة، وقد يقارن الشيء بفرد خارجي، فالمقيس قد يكون أطول من المقيس عليه وقد يكون اقصر، وقس على هذا سائر المقولات النسبية وفي ما نحن فيه بعض الناس لا يشكّون في صلاتهم الا نادراً وبعض الناش يشكّون في صلاتهم كثيراً ولكن لا يصدق عليهم عنوان كثير الشك، لانه ليس خارج المعتاد عند عامة الناس، فالسائل عندما يسأل عمن يشك كثيراًً اجابه الامام عليه السلام بالعمل بوظيفة الشاك، ولكن عند ما يقول: "فَإِنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّمَا أَعَادَ شَكَّ؟" فأجاب الامام عليه السلام بوظيفة كثير الشك فيختلف الموضوع في الإجابتين.
بما انه ورد في روايات التي قرأناها على اسماعكم مفردات مختلفة من الشك والسهو والوهم والظن ومثل هذه المفردات تستعمل في معاني مختلفة لذا اودّ ان أقف عندها شيئاً.
جاء في العين: (الشك نقيض اليقين)، ونقيض اليقين أي عدمه فيشمل الظن والشك والوهم.
وأيضا قال: (والشك بمعنى غير الاعتقاد)، وقال ايضاً: الشَّكُّ: الارْتِيَابُ وَ يُسْتَعْمَلُ الْفِعْلُ لَازِماً و مُتَعَدِّياً بِالْحَرْفِ فَيُقَالُ (شَكَّ) الْأَمْرُ (يَشُكُّ) (شَكّاً) إذَا الْتَبَسَ، و (شَكَكْتُ) فِيهِ.
وقال في مصباح المنير قَالَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ: (الشَّكُّ) خِلَافُ الْيَقِينِ فَقَوْلُهُمْ خِلَافُ الْيَقِينِ هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ سَوَاءٌ اسْتَوَى طَرَفَاهُ أَوْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، قَالَ تَعَالَى ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ أَىْ غَيْرَ مُسْتَيْقِنٍ) [3]
اما الوهم يقال: وهم إِليه وَهْماً: أي ذهب قلبه إِليه. لسان العرب،
وقال في قاموس الفقهي: (وَهَمَ إليه يَهِمُ وَهْماً: ذَهب وهْمُه إليه. وَهِمَ، بكسر الهاء: غَلِط وسَهَا. وأَوْهَمَ من الحساب كذا: أَسقط، وكذلك في الكلام والكتاب).
وقال ابن الأَعرابي: (أَوْهَمَ ووَهِمَ ووَهَمَ سواء)
وقد يأتي بمعني جهل المركب كقولنا انه: "واهم" أي في خطاء في الفهم.
وقد يرد بمعنى طرف المقابل للظن: فكل الأمر اما متيقن او مظنون او مشكوك او موهوم او متيقن عدمه. ورد في مفردات الراغب: (والظن قد يأتي بمعنى اليقين قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ ] البقرة44-46 {﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرٰاقُ﴾ [القيامة/ 28] ﴿أَ لٰا يَظُنُّ أُولٰئِكَ﴾ [المطففين/ 4]، وهو نهاية في ذمّهم. ومعناه: ألا يكون منهم ظَنٌّ لذلك تنبيها أنّ أمارات البعث ظاهرة. وقوله: ﴿وَظَنَّ أَهْلُهٰا أَنَّهُمْ قٰادِرُونَ عَلَيْهٰا﴾ [يونس/ 24]، تنبيها أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم، وقوله: ﴿وَظَنَّ دٰاوُدُ أَنَّمٰا فَتَنّٰاهُ﴾ [ص/ 24]، أي: علم، والفتنة هاهنا: وقوله: ﴿يَظُنُّونَ بِاللّٰهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجٰاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران/ 154]، أي: الظَّنُّ الشَّكُّ، قال اللّه تعالى: ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلّٰا ظَنًّا وَمٰا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾. ويقال: سُؤتُ به ظناً، وأسأت به الظن)،
انما ذكرنا هذه المفارقات في المعنى كي نعرف خطأ بعض الباحثين في المعنى. وغدا نتابع بحثنا ان شاء الله