46/10/29
التبعيض في الاحتياط.
الموضوع: التبعيض في الاحتياط.
• الاحتياط في جميع المشكوكات يؤدي إلى اختلال النظام العام فهو قبيح عقلائيا. والاحتياط الذي يؤدي إلى العسر والحرج غير حسن عقلائيا.
• لا بد من التبعيض، فيحسن الاحتياط حينئذ في الأكثر أهميّة: احتمالا أو محتملا.
• دوران الامر بين محذورين: الوجوب والحرمة.
التنبيه الخامس: التبعيض في الاحتياط.
الاحتياط حسن عقلا وشرعا بالمعنى الذي ذكرناه سابقا، بلحاظ احراز وادراك المصلحة لا بلحاظ عقاب الآخرة.
لكن هل يصح التبعيض في الاحتياط، بان احتاط في امور ولا احتاط في اخرى؟ وهل يحسن هذا التبعيض؟ ومتى لا يجوز؟
إذ أن الاحتياط في كل غير يقيني يؤدّي إلى العسر والحرج، بل قد يؤدي إلى اختلال النظام، ولذا فقد لا يكون حسنا شرعا كما لو ادى إلى العسر والحرج، وقد يكون قبيحا عقلا كما لو أدى إلى اختلال النظام، ولا شك في أن الاحتياط في كل الأمور يؤدّي إلى اختلال النظام، إذن الاحتياط قبيح إذن مرفوع، وحينئذ لا بد من التبعيض.
• والتبعيض إما أن يكون ابتداء، فاحتاط تارة، ولا احتاط أخرى، فهل هذا حسن؟
• الظاهر حسنه فان محاولة ادرك بعض الواقع خير من عدم المحاولة في كل الواقع.
• واما ان احتاط حتى أصل إلى اختلال النظام فاتوقف عن الاحتياط.
• وإما أن احتياط بالأقوى احتمالا، فإن غير اليقين إما مظنون أو مشكوك أو موهوم، فالاحتياط بالمظنون دون المشكوك والموهوم مثلا، كما استدل به المحقق القمّي صاحب القوانين (ره) في حجية الظن المطلق بان الظن حجّة لانسداد باب العلم والعلمي والاحتياط غير واجب أو غير مطلوب أو محال أو قبيح، ولا يمكن اجراء اصل البراءة كي لا نصبح كالمجانين والبهائم بلا احكام، ووصل إلى نتيجة انه يدور الامر بين الاخذ بالظن أو بالشك أو بالوهم، وقطعا الظن اقوى. ولذلك قالوا ان الانسداد لو تم هو على نحو الحكومة أي هو حكم عقلي، وليس كشفا عن واقع.
• واما أن احتياط بالأكثر أهميّة، أي المحتمل الأهم، فإن الأمور تختلف من حيث الأهمية، فالدماء أهم من الأموال، وهكذا...
وهذا ما أشار إليه صاحب الكفاية (ره) بقوله: " كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الأمر ترجح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا.
إلى هنا نكون قد انتهينا من بحث الامارات وبحث الاصول العمليّة، مبحث البراءة والاحتياط .
دوران الأمر بين محذورين:
كما لو دار الأمر في حكم يوم بين وجوب صومه لاحتمال كونه من شهر رمضان، وبين حرمة صومه لكونه عيدا أول شوال، وشككنا في ذلك اليوم. وكما لو دار الأمر في صلاة المرأة بين أن تكون واجبة لو كانت طاهرة، وبين أن تكون حراما لو كانت حائضا، وشككنا في كونها طاهرا أو حائضا.
وقبل الخوض في المسألة لا بد من التنبيه على أمرين:
أحدهما: أن الدوران في مسألتنا يجب أن يكون بين الوجوب والحرمة، فلو دار الأمر بين الوجوب والاباحة أو غيرها من الأحكام غير الإلزامية لجرى أصل البراءة، كما لو دار أمر صلاة الجمعة في عصر الغيبة بين الوجوب والاباحة والتخيير بينها وبين صلاة الظهر.
ففي هذه الحالة إذا دار الأمر بين حكم الزامي وحكم غير الزامي، تجري أصالة البراءة، بل جريانها هنا اولى من جريانها في الشبهات الوجوبية، أي إذا دار الأمر بين الوجوب والجواز، واولى من الشبهات التحريمية أي إذا دار الأمر بين الحرمة والجواز، لأن الاحتياط ممكن في الأخيرين، فيمكن القول بالاحتياط كما ذهب إليه بعض الاخباريين.
أما في مسألتنا فلا يمكن الاحتياط، ولا بد من الذهاب إلى البراءة.