« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/10/25

بسم الله الرحمن الرحيم

قاعدة التسامح في أدلة السنن.

الموضوع: قاعدة التسامح في أدلة السنن.

     الجواب على انقلاب الشك في الشبهة التحريمية الموضوعية إلى شك في المحصّل.

     الحالات المستثناة من اصل البراءة في الشبهة الموضوعية.

 

عظم الله اجوركم واجورنا باستشهاد سيدنا ومولانا الامام جعفر بن محمد الصادق (ع). [1]

 

نعود للكلام في الادعاء بان الشبهة التحريمية الموضوعية لا تجري فيها اصل البراءة لانه انما يكون عند الشك في التكليف، وفي الشبهة التحريمية الموضوعيّة الشك في الامتثال، وفرّقنا بين الشبهة الوجوبية والشبهة التحريمية.

وبعد ان بيّنا الردود على كلام الشيخ الانصاري (ره) وصاحب الكفاية الشيخ الآخوند (ره)، السيد الخوئي (ره) فقد فصّل بين عدة حالات، وذهب إلى البراءة في الجميع وان الاحتياط لا يكون إلا في حالة واحدة وهي فيما لو كان النهي متعلقا بجميع الأفراد الخارجية، باعتبار ان المطلوب أمرٌ بسيط متحصل من مجموع التروك، -أي نوع من النص في العموم بحيث انه لا بد من ترك الجميع حتى يتحصل امر واحد، هذا الواحد هو المنهي عنه-كما لو فرضنا أن المطلوب من النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه هو وقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل لحمه.

مثلا:" النهي عن الصلاة في جلد الاسد طريق "للمطلوب واقعا" للصلاة في جلد غير الاسد كجلد الغنم " فقط في هذه الحالة.

لكن جوابنا ان هذه الحالة تحتاج لظهور في المراد، ولم أجد مثالا.

بيانه: فالمطلوب ليس المنهي عنه، بل المأمور به لكن بيّنه بطريقة اخرى مثلا قال: لا تصح الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، نتيجته: صل فيما يؤكل لحمه. والصلاة في ما يؤكل لحمه امر بسيط ينشأ عن جميع افراد المنهي عنه، ومع الشك في فرد واحد كان الشك في الامتثال.

ففي هذا الفرض لو شُك في كون شيء مصداقا للموضوع كان المرجع قاعدة الاشتغال وعدم جواز ارتكاب المشكوك في كونه فردا له، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في المحصّل بعد العلم بثبوت التكليف.

ثم يستدك ويقول: نعم، لو كان الأمر البسيط حاصلا سابقا، فمع ارتكاب الفرد المشكوك فيه يجري استصحاب بقاء هذا الأمر، فيكون الامتثال حاصلا بالتعبّد الشرعي.

والتحقيق: لا بد من التذكير بقاعدتين:

الاولى: ان الأحكام تابعة لعناوين موضوعاتها. مثلا: " الخمر حرام" فإذا تم عنوان الخمر صار الحكم الحرمة.

والثانية: أن الأحكام تتعلق بالطبائع لا بالأفراد، بمعنى أن المولى يتصوّر الطبيعة ويلاحظ أن الآثار هي لأفرادها الخارجية، فيعلق الحكم على هذا النحو، أي لا يعلّق الحكم على الطبيعة بما هي هي، فإنها غير موجودة في الخارج فيستحيل امتثالها، ولا بما هي مرآة لأفرادها حاكيا عنها، فتنحل على عدد الأفراد فتتعلق حينئذ الأحكام بالأفراد وهو خلاف التحقيق، بل هو مستحيل. وقد بيّنا ذلك سابقا بما لا مزيد عليه، كما بيّنا الفرق بين لحاظ الآثار الخارجية للأفراد في حال الامتثال وبين التعلّق بالأفراد. وهذه تبطل نظرية الانحلال المتداولة.

ولما كان الأثر غير متحقق في الفرد المشكوك، كان هذا الفرد خارجا عن دائرة الامتثال، فلا يكون ملحوظا عند الحكم به والنهي عنه فيجري حينئذ أصل البراءة ، بمعنى جواز ارتكابه.

وعليه: لا فرق في الحكم بين الشبهة الموضوعية التحريمية، وبين الشبهة الموضوعية الوجوبية في جريان اصل البراءة عند الشك.

نعم، لو فرضنا ان الشك في الحقيقة كان في المحصّل، فلا بد من الاشتغال أي الاحتياط، كما لو كان النهي متعلقا بجميع الأفراد على نحو العموم المجموعي الذي هو عبارة عن فرد واحد، وكأن الافراد أجزاء، وليس بنحو العموم الاستغراقي، فانه مع ارتكاب المشكوك اشك في تحقق المجموع، أي تحقق متعلّق النهي.

وكما لو كان المطلوب أمرا آخر غير متعلّق النهي - كما فصّل السيد الخوئي (ره)-، لا يتحقق إلا بترك جميع الأفراد، فلا بد من ترك المشكوك أيضا لتحقيق متعلّق النهي، فيكون عند ارتكاب المشكوك شكا في الامتثال.

واعتقد ان هذين الفرضين مجرّد افتراض نظري، ولا أدري إذا كان لهما مورد في الروايات أو النصوص.

 


[1] لكل امام دور وكان دور الامام الصادق (ع) تأسيس دعائم الدين وبيان الشريعة، وحماية الفقه من الانحراف، وانا اعتقد ان حركة الامام الصادق (ع) حركة علمية فكرية، وهي لا تقل ابدا اهميّة عن حركة الامام الحسين (ع) الاستشهادية الدمويّة، وان كان للدم اهميّة كبرى عند الناس: " اتعلم ام انت لا تعلم بان جراح الضحايا فم ". الامام الصادق (ع) بحركته حمى الفقه الإسلامي من الانحراف خصوصا بعد ان اصبح القياس في مظنون العلّة من المصادر الأساسية للتشريع، بعد الكتاب والسنّة.
logo