« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

قاعدة التسامح في أدلة السنن.

الموضوع: قاعدة التسامح في أدلة السنن.

     المورد الثاني: صحة الوضوء الذي دلّ خبر ضعيف على استحبابه كقراءة القرآن أو النوم، بناء على ان مفاد القاعدة هو الجعل، وجواب الشيخ الانصاري عليه .

     التنبيه الرابع: قد يتوهم عدم جريان البراءة في الشبهة التحريمية الموضوعية.

     تقريب:ان الشك فيها ليس شكا في التكليفن بل شك في الامتثال.

     جواب الشيخ الانصاري (ره) بالانحلال، فيعود شكا في التكليف.

     نقدنا لنظرية الانحلال.

 

ذكرنا امس المورد الاول من الثمار التي ذكرها الشيخ الأنصاري (ره).

المورد الثاني: الوضوء الذي دلّ خبر ضعيف على استحبابه كقراءة القرآن أو قبل النوم، فإنه على القول بقاعدة التسامح في أدلة السنن التي تؤدي إلى جعل استحباب يكون الوضوء صحيحا، وبه يرتفع الحدث الأصغر. فيصح لمس القرآن وتصح الصلاة، والطواف به، يصح كل ما اشترط بان الحدث الاصغر يرتفع به.

واما على القول الآخر وهو ترتب الثواب فلا يرتفع الحدث الأصغر به، وانه لا يثبت إلا ثوابا، وهو لسان الأدلّة. فالحديث: "من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله". [1] فبلفظ "لم يقله" تدل على انه غير مجعول وان الأدلة ظاهرة في ترتب الثواب. [2]

وقد أورد عليه: بأنه لم يثبت كون كل وضوء مستحب يرفع الحدث، مثلا: يستحب الوضوء للجنب والحائض للجلوس في مصلاها، مع انه لا يرتفع به الحدث وكذا الوضوء التجديدي. وبالتالي لم يثبت عندنا ان كل وضوء يرفع الحدث.

وفيه: يمكن ان يقال إن عدم رفع الحدث الأصغر لعدم قابلية الحائض والجنب لذلك، فهما محدثان بالأكبر. وأما استحباب الوضوء التجديدي فرفع الحدث من باب تحصيل الحاصل.

التنبيه الرابع: قد يتوهم عدم جريان البراءة في الشبهة التحريمية الموضوعية بل يجري الاحتياط، بدعوى رجوع الشك إلى الشك في المحصّل لا الشك في التكليف، فيكون مجرى أصالة الاشتغال. مثلا: "الخمر حرام" هذا حكم تحريمي لأمر كلّي، وهو معلوم. ثم شككنا في فرد خارجي، هل هو خمر أو عصير؟

فما هو حكم هذا الفرد الخارجي؟

بيان كمقدمة وللتذكير: اصل البراءة يجري عند الشك في التكليف، واصل الاحتياط يجري عند الشك في المحصّل.

في هذه الحالة بعض الاجلاء حولوا الشك في التكليف في الشبهة التحريمية الموضوعية، إلى شك في المحصّل، حينئذ يجب الاحتياط ولا تصح البراءة. مثلا: لو شككنا ان هذا ماء أو خمر لا استطيع ان اقول ان الاصل البراءة بان لا يكون خمرا لاني لا اعلم، فذهب بعضهم إلى الرجوع للأحتياط مع العلم انه يقول بالبراءة العقلية والشرعية.

الفرق بين الشبهة الوجوبية الموضوعية والشبهة التحريمية الموضوعية.

ففي رجوع الشك إلى الشك في المحصّل لا الشك في التكليف، لانه هناك فرق بين الوجوب والحرمة، الوجوب يحصل فيه الامتثال ولو بالفرد الواحد، اما في الحرمة يجب الامتناع عن الجميع. فالمعلوم انه خمر نمتنع عنه لكن في المشكوك، عند الارتكاب اكون قد شككت في الامتثال، باني لم امتثل التحريم الواضح بحرمة الخمر.

بيانه: إن الحكم بالحرمة لكلي الخمر معلوم، فيجب تحصيل تركه في عالم الامتثال، فإذا ارتكبت الفرد المشكوك أشك في الأمتثال، ولاني أشك في تحقيق الترك، ونعلم ان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني يجب ان أتيقن من ترك جميع الافراد للانقلاب من الشك في التكليف للشك في الامتثال، فلا بد من الاحتياط ولا تجري البراءة.

وقد تصدى غير واحد لهذا التوهم، والجامع بين الاجوبة: انقلاب الشك في الامتثال إلى شك في التكليف، فيكون مجرى البراءة.

الشيخ الانصاري (ره) اجاب عن ذلك بانحلال النهي عن الحكم الكلي إلى نهي بعدد الأفراد، وبالتالي في الفرد المشكوك أشك في التكليف فيكون مجرى البراءة.

فالانصاف بناء على مبانيهم كلام سليم. لكن بناء على ما ذهبنا اليه وهو ان الحكم الكلي لا ينحل.

وفيه: إن هذا الانحلال يعني ان الاحكام تعلقت بالافراد، مع العلم ان الاحكام تتعلق بالطبائع لا بالأفراد، إذ مع تعلق الحكم بالافراد اصبح من باب الوضع العام والموضوع له الخاص، مع العلم ان الموضوع له عام. أي متعلق الخحكم هنا عام، وتعلق الحكم بالطبيعة العامة ليس من باب حكاية الطبيعة عن افرادها، لان الحكاية تعني تعلّق الحكم بالافراد، والطبيعة ليست سوى وسيلة، وهذا ليس صحيحا، لان الطبيعة ملحوظة استقلالا في تعلّق الاحكام، بل من باب ان عند الامتثال لا يتم الامتثال إلا من خلال الافراد، وهذا شيء آخر غير الحكاية. وفصلّنا ذلك سابقا.

أما صاحب الكفاية الشيخ الآخوند (ره) فقد فصّل بين حالتين:

الأولى: ان يكون النهي انحلاليا، بان يكون كل فرد من افراد الموضوع محكوما بحكم مستقل، فالمجرى حينئذ البراءة.

ويرد عليه: ما ورد على الشيخ الأنصاري (ره).

الثانية: ان يكون النهي حكما واحدا متعلقا بترك الطبيعة رأسا من دون استثناء أي فرد، أي نص في العموم أي آبٍ عن التخصيص، بحيث لو وجد فرد منها لما حصل الامتثال أصلا، وعليه يكون الشك في الامتثال والمحصّل، فالاصل حينئذ الاحتياط.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ح3، ص60.
[2] استطراد: الوضوء على ثلاثة اقسام على المشهور والمتداول: 1- الوضوء بمطلق الطهارة. 2- الوضوء بنيّة رفع حدث النوم أو لأجل قراءة القرآن، فلا يتم الوضوء برفع الحدث إلا لأجل ما ذكر. 3- اتوضأ بداعي امرها الامر مطلقا فإذن يرفع الحدث. فهذه اوجه.
logo