« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

هل الأمر بالاحتياط أرشادي أو مولوي؟

الموضوع: هل الأمر بالاحتياط أرشادي أو مولوي؟

     التفريق بينهما بان المولوي يأتي في مرحلة الاقتضاء وعلل الاحكام، اما الارشادي في مسألتنا يأتي في مرحلة الامتثال.

     كلام النائيني (ره) في احتمال جعل حكم بالاحتياط، وجوابه.

 

ثم إنه ألحق بهذا التنبيه وهو ان الاحتياط حسن عقلا أمر، مسألة: هل الأمر بالاحتياط إرشادي أو مولوي؟

فهل الأمر بالاحتياط كالأمر بالاطاعة الذي هو امر مولوي للمولى يستخدم حقه بالطاعة إرشاد إلى ما حكم به العقل، فلا يترتب عليه جعل آخر غير جعل الواقع، نعم يترتب عليه ما يحكم به العقل من حسن الانقياد واستيفاء الواقع؟

أم الأمر بالاحتياط أمر مولوي، يترتب عليه جعل استحبابي كبقية المستحبات، وهو جعل آخر غير جعل الواقع؟

فلو شككنا في صحة الصلاة بعد الفراغ منها نحكم بصحتها لقاعدة الفراغ، ومع ذلك يحسن الاحتياط باعادتها، فلو كان الأمر بالاحتياط مولويا لكانت الاعادة محكومة بالاستحباب أي كحكم جعلي.

مثال آخر: حكم الدخان هل هو حرام أو حلال؟ فاحتاط بالترك. فلو فرضنا انه واقعا محرّما فصار عندي على المولوية حكم اساسي بالحرمة وحكم وجوب الاحتياط، نتج من ذلك حكمان جعليان: حكم بحرمة الدخان وحكم آخر بوجوب الاحتياط. اما بناء على الارشادية فلو كان محرما واقعا كان الحكم هو التحريم فقط، اما الحكم بوجوب الاحتياط فغير مجعول، الموجود حكم العقل ارشاد حتى اصل إلى الواقع واتأكد من الامتثال. ففي الرسائل العملية عُرِّف الاحتياط بانه محاولة التيقن باصابة الواقع.

وتحقيق المسألة يقتضي مقدّمة في المناط في التفريق بين الحكم المولوي والحكم الارشادي.

المناط في التفريق بين الحكمين:

الحكم المولوي: هو ما كان في مرتبة عِلل الأحكام، فان الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد وهي المرحلة الاولى قبل مرحلة الانشاء ومرحلة الفعلية ومرحلة التنجيز، كما هو المتداول، ونحن قلنا ان هناك مرحلة واحدة وهي مرحلة الانشاء، فالحكم يتبع علّته.

مثلا فعندما أقول: "الخمر حرام" فان الحرمة مترتبة على علّة الحكم، وهي الإسكار. فهذا حكم مولوي مجعول تابع للمصالح والمفاسد.

اما الحكم الارشادي: فهو ما كان في مرتبة الامتثال المترتب على الحكم المولوي، أي في كيفيّة التأكد من الامتثال. وذلك مثل حكم العقل بلزوم الاطاعة، فانه لزوم امتثال حكم الشارع المولوي وليس أمرا مولويا آخر، فهو في عالم الامتثال، لا عالم الجعل والانشاء.

إذا عرفت هذا: فإن الاحتياط هو في عالم الامتثال، أي أن حسنه أو وجوبه إنما هو بحكم العقل للتأكد من استيفاء الواقع، وليس فيه أي جعل جديد مستتبعا عن ملاك جديد آخر غير ملاك الحكم الواقعي.

والنتيجة: أن الأمر بالاحتياط في قوله: " أخوك دينك فاحتط لدينك" واشباهه، - لو دلّ على الاحتياط في المشكوك، وقد نفينا هذه الدلالة سابقا - فهو أمر إرشادي إلى حكم العقل بحسنه، وكيفية الامتثال مسألة عرفية، وهل الحكم العقلي يكشف عن حكم شرعي أي ما حكم به العقل حكم به الشرع هل نستطيع ان ننسب الحكم العقلي للمولى؟ فلو فرضنا صحة الانتساب لأصبح مولويا.

ولا بأس هنا بذكر كلام للشيخ النائيني (ره) في المقام:

ثم ان الميرزا النائيني (ره) ذكر انه: يمكن أن يكون الأمر بالاحتياط لملاك خاص ومصحلة في نفس الاحتياط، كمصلحة قوة للنفس باعثة على البعد عن المعاصي وعلى فعل الطاعات بحيث تصبح ملكة حميدة قوية عند المكلّف [1] . وإلى هذا المعنى أشار (ع) بقوله: "من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك".[2]

وهذا الملاك صالح لإنشاء حكم مولوي على اساسه.

نقول: هذا الكلام من النائيني (ره) معقول، بل يمكن الذهاب إليه إذا استفدنا وجود المصلحة من أدلة الاحتياط التي ذكرناها. فالاحتياط عند العقلاء ليس من باب انه هو نفسي، بل من بال جعل احراز الواقع.

ولكن أدلة الاحتياط غير ظاهرة في ذلك فالاحتياط هو محاولة احراز الواقع، سواء كانت العقلية منها كتنجيز العلم الاجمالي بالاحكام أو وجوب دفع الضرر المحتمل، فان الأدلة العقلية التي ساقها إنما هي باتجاه الجزم باستيفاء الواقع لا تحقيقا لملكة نفسيّة، وكذلك الأدلة النقلية كما في: "خذ الحائطة لدينك" سواء على تفسيرنا بمعنى حافظ على دينك واجعل له سورا فلا تشمل المشكوكات وليس دليلا على الاحتياط، أو على التفسير المشهور من الحث على الاحتياط في المشكوك. وحتى حديث: "قف عند الشبهة، فان التوقف في الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات"، هذا في عالم الامتثال، فإن الأفضلية هي من جهة احتمال الوقوع في المفسدة، كما هو ظاهر.

والنتيجة: إن القول بان الاحتياط فيه حكم آخر مجعول غير الحكم الواقعي لم يثبت عندنا. لذلك ليس هناك إلا حكم واحد وهو الحكم الواقعي، وان الاحتياط هو مجرّد ارشاد محض لحكم عقلي.

 


[1] فوائد الأصول، النائيني، ج3، ص399.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، الباب12 من أبواب صفات القاضي الحديث 61، ولفظ الحديث «فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك» الصدوق محمد بن علي بن الحسين مرسلا عن امير المؤمنين (ع).
logo