46/10/18
هل الاحتياط حسن؟
الموضوع: هل الاحتياط حسن؟
• الكلام تارة في المعاملات التوصليات ، وتارة في العبادات.
• في التوصليات حسن الاحتياط حسن لامرين: الاول: لاحتمال المصلحة، والثاني: لانه نوع من الانقياد. الحسن عقلا.
• في العبادات تارة نحرز الرجحان وتارة لا نحرزه. والجواب على ذلك. ذكر كلام للشيخ الخوئي (ره)، والجواب عليه.
التنبيه الثاني: هل الاحتياط حسن؟
اشتهر الكلام على ان الاحتياط وهو محاولة ادراك الواقع، وفي حياة الناس وهو الافضل على كل حال.
ذكر الشيخ الانصاري (ره) في رسائله: الاحتياط حسن عقلا وشرعا.
والكلام تارة في المعاملات والتوصليات كبر الوالدين، وتارة في العبادات التي يشترط فيها نيّة الخضوع والتعبّد أو يشترط فيه قصد القربة على المتداول المعروف، أو ان يكون بداعي الامر، أو تقربا، أو طمعا في الجنّة، او الخوف من النار.
أما في المعاملات والواجبات التوصلية فلا شك في حسن الاحتياط عقلا، لأمرين:
الأول: انه نوع من الانقياد الحسن عقلائيا للمولى، مطلقا قبل الفحص أو بعده، بل فيه من الانقياد أكثر من معلوم الوجوب، فلا شك أن الانقياد في المشكوك افضل الانقياد وأمر ممدوح وأقوى.
والثاني: أن الأحكام تابعة لمصالح فيها أو في متعلقها، ومع احتمال الوجوب أو احتمال الاستحباب نحتمل وجود المصلحة، ولا شك في حسن العمل لاحتمال وجود مصلحة، وحسن الترك لاحتمال وجود المفسدة.
واما في العبادات:
تارة نحرز الرجحان، وتارة لا نحرزه.
فإذا أحرزنا الرجحان وهو ما لو تردّد الفعل بين الوجوب والاستحباب، فكذلك الأمر يمكن الاحتياط بداعي أمره الواقعي، بناء على اشتراط كون العبادة بداعي أمرها كما عند الشيخ البهائي (ره)، وبهذا يحسن الاحتياط عقلا لأنه نوع من الانقياد، ثم إن السعي لاحراز المصلحة الراجحة كذلك أمر حسن.
نعم أشكل على الاحتياط في هذه الصورة - كابن ادريس (ره) وغيره - بعدم قصد الوجه والتمييز [1] إذ هو مردد بين الوجوب والاستحباب فلا تعيين له، وهذا محال عند التردد.
ويجاب أولا: بعدم التسليم باشتراط قصد الوجه والتمييز في صحة العبادة.
قصد الوجه والتمييز عقلا وعقلائيا لم يثبت اشتراطه، ولو شككنا فالاصل عدم الاشتراط.
وثانيا: بأن هذا الاشتراط - لو سلّم- إنما يتم مع إمكان قصد الوجه والتمييز، أما مع عدم إمكانهما كما في صورتنا لمقام الترديد فيسقط هذا الاشتراط جزما فلا يمكن تحقق القصد ولا الوجه ولا التمييز.
واما فيما لم يحرز الرجحان – وان كان يقال ان العبادات دائما راجحة- وهو ما لو تردد الفعل بين الوجوب والاباحة - فيها تساوي الطرفين-:
فقد يشكل على إمكان الاحتياط في هذه الصورة، بأن الأمر غير محرز، فلا يمكن الاتيان بالفعل بداعي أمره، إذ لو لم يؤت به بداعي أمره انتفت عباديته، وإن أتي به بداعي أمره كان بدعة تشريعا لعدم إحراز كون الفعل مأمورا به.
وقد يقال: من نفس الامر بالاحتياط نحرز الأمر، نستكشفه من حسن الاحتياط " اخوك دينك فاحتط لدينك" بنحو الإن - من المعلول إلى العلّة- وجود أمر بفعله.
فإن يقال: إن حسن الاحتياط لا يثبت موضوعه كبقيّة الأحكام، بل الموضوعات يجب أن توجد قبل الحكم ولو رتبة، ويكون إثبات الموضوع من خارج الحكم. القضية الحملية او الشرطية لا تثبت موضوعها، مثلا: "قلت لك خمس ارباحك" هذا لا يعني ان هناك أرباح. لذلك قالوا ان القضايا محمولة على القضاية الحقيقية أي على فرض وجود موضوعها.
ويجاب عن الإشكال: بأن داعي الأمر لا دخالة له أبدا في مفهوم العبادة كما سبق وذكرنا ذلك وبيّناه بما لا مزيد عليه، كذلك قصد القربة والطمع في الجنّة والخوف من النار، قلنا ان هذه دواعٍ وليست دخيلة في مفهوم العبادة، الدواعي مفعول لأجله. بل العبادة فعل مضاف إليه تعالى على نحو التذلل والخضوع والخشوع.
وقد احسن السيد الخوئي (ره) حيث يقول: " إنّ الاشكال المذكور مبني على أنّ عبادية الواجب متوقفة على الاتيان به بقصد الأمر الجزمي، وليس الأمر كذلك، إذ يكفي في عبادية الشيء مجرّد إضافته إلى المولى، ومن الواضح أنّ الاتيان بالعمل برجاء المحبوبية، واحتمال أمر المولى من أحسن أنحاء الاضافة، والحاكم بذلك هو العقل والعرف، بل هو أعلى وأرقى من امتثال الأمر الجزمي، إذ ربّما يكون الانبعاث إليه لأجل الخوف من العقاب، وهو غير محتمل في فرض عدم وصول الأمر والاتيان بالعمل برجاء المطلوبية.
هذا مضافاً إلى أنّ اعتبار الجزم على تقدير التسليم مختص بصورة التمكّن كما ذكر في محلّه. انتهى كلامه رفع مقامه. [2]
وبهذا يظهر ما في كلامه (ره) قبل ذلك عندما قال: " والتحقيق ان يقال إن الاشكال المذكور مبني على ان عبادية الواجب متوقفة على الاتيان به بقصد الأمر الجزمي، وليس الأمر كذلك".
ثم يقول بعد ذلك باسطر: " هذا مضافا إلى أن اعتبار الجزم على تقدير التسليم مختص بصورة التمكن كما ذكر في محله".
فإنه قد بيّنا أن داعي الأمر غير مأخوذ في مفهوم العبادة، سواء كان الأمر جزميا أم محتملا، بل محال أخذه للزوم أخذ داعي الأمر في متعلّقه، كما هو إشكال الشيخ الأنصاري (ره) المشهور وقد بيّنا في محله أن إشكاله في محله – بناء على أخذ داعي الأمر في مفهوم العبادة -، لان الأجوبة عليه من قبل بعض الأساطين لم تكن متينة وشافية.
نعم قد يقال ما هي وظيفة الامر حينئذ؟
الجواب: اننا نشتكشف من الأمر صحة العبادة، مثلا: صلاة الغفيلة ثابتة أو لا اختراع من عندنا او لا؟ ومثلا: صلاة التراويح اختراع او لا؟ فإذا ورد فيها أمر يكشف عن صحة التعبد بهذه الصلاة.
والنتيجة: اما ان يحرز الرجحان او لا يحرز.
فإذا احرز الرجحان فالاحتياط حسن، ومع عدم احراز الرجحان فالاحتياط احسن من العقاب الاحتياط غير حسن فالشريعة الاسلامية سمحاء فلا داعي للأحتياط عقلا مع عدم وجود العقاب، نعم الاحتياط من جهة احتمال احراز المصلحة ممكن، حسن من جهة محاولة احراز المصلحة المشكوكة، لان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد.
اما من جهة العقاب فلم يثبت حسن، إذ نعلم بعدم العقاب مع عدم البيان، والشريعة الاسلامية سهلة سمحاء.