46/10/16
حكم الصلاة في جلد الحيوان.
الموضوع: حكم الصلاة في جلد الحيوان.
•
بعد التذكير بما مرّ كمقدّمة، تراجع من الدروس السابقة وذلك للفائدة.
نكمل الكلام في حكم الصلاة في جلد الحيوان:
اما الصلاة في جلد الحيوان، فالرويات على قسمين:
قسم يظهر منه أن موضوع بطلان الصلاة هو الميتة.
ففي الوسائل ح 1- محمد بن الحسن بإسناده (معتبر) عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن حماد بن عيسى (ثقة)، عن حريز (ثقة)، عن محمد بن مسلم (ثقة) قال: سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ قال: لا ولو دبغ سبعين مرة.
ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) مثله. وعنه، عن فضالة، عن العلا، عن محمد مثله. [1]
من الحكم يمكن الفصل بين جواز الصلاة وجواز الاكل، لانهما مسألتان تعبديتان إلا إذا فهم عرفا أو من عرف المتشرعة التلازم، والانصاف ان التلازم غير واضح، كثير من الاشياء يصح الصلاة فيها ولا يجوز اكلها، والعكس كذلك. مثلا في اجزاء الحيوان، الدجاجة يجوز اكلها لكن دمها نجس لا يجوز الصلاة فيه. إذن الفصل بينهما وارد واتحادهما يحتاج إلى دليل.
وفي الحديث التالي: ح 2- وبإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله (ع) في الميتة قال: لا تصل في شيء منه ولا في شسع.
ومن حيث السند: الرواية الأولى وان كانت مضمرة إلا أن راويها محمد بن مسلم الثقة المعروف، فلا ضير في اضماره.
ومن حيث الدلالة: فالظاهر السؤال في قوله " الجلد " إذ السؤال هو عن جلد الميت كما في الروايات الأخرى.
ظاهر هذه الاحاديث اننا نحتاج إلى احراز كونه ميت للحكم بعدم جواز الصلاة فيه لو دبغ سبعين مرّة.
وللتذكير قلنا ان " حرمت عليكم الميتة" ان المراد الميتة بشروطها الشرعية وليس الميتة اللغوي لان كل اللحم الذي نأكله ميتة لغة، فالحي لا يأكل إلا على بناء على القول النادر بجواز اكل السمك حيا.
• وقسم يظهر منه اشتراط العلم بالتذكية لصحة الصلاة:
ففي الوسائل: ح 1- محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير (ثقة، وبعضهم اعتبره من اصحاب الاجماع، ومنهم من الحق اصحاب الاجماع بقاعدة مشايخ الثقاة، وفرقنا بين ذلك، يراجع في الوجيز النافع في علم الرجال) قال: سأل زرارة أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله أن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد، وذكاه الذبح أو لم يذكه. [2]
من حيث السند: الرواية موثقة. لكن " هل ان ابن البكير قال هذا الكلام أو ان الامام (ع) هو القائل؟ النتيجة: ان ابن بكير ينقل نصا عن الامام (ع) وليس رأيا منه. وخصوصا في زمنهم لا تفريق بين الرواية والفتوى إلا نادرا.
ومن حيث الدلالة: قوله: "إذا علمت انه ذكي " لها معنيان: تارة بمعنى انه قابل للتذكية وقد ذكاه الذبح فيكون من باب التأسيس، اي ان هناك معنيان مختلفان.
أو انها عبارة عن تأكيد المعنى الأول، أي هو مذكى وقد ذكاه الذبح. والاصل في كلام العرب التأسيس بان يكون هناك معنى مختلف، وليس التأكيد، لان التأكيد يكون لحاجة ولغاية.
وعليه، مفهوم "إذا علمت انه ذكي" انه شرط، بالمفهوم إذا لم تعلم الذكاة لا يجوز الصلاة. وبمفهوم الشرط استطيع ان أقول: " كل جلد حيوان لا يجوز الصلاة فيه إلا إذا ذكي حتى لو علم قابليته للتذكية"، نحتاج لإثبات التذكية، فإذا جاءنا جلد قابل للتذكية كجلد الغنم أو البقر القابل للتذكية من بلاد غير المسلمين وشككت في تذكينه بانه ذبح بالشروط الشرعية، فالأصل الحرمة لانه قال: "إذا علمت انه ذكي" بمفهوم الشرط، ومع عدم العلم لا تجوز الصلاة فيه.
إذن هذه الرواية تدل بمفهوم الشرط على عدم الجواز الصلاة بالجلد غير المعلوم التذكية في غير بلاد المسلمين، اما في بلاد المسلمين هناك امارة قاعدة سوق المسلمين أو يد المسلم او الاستصحاب.
ونكرر ان الكلام في الشك هو في ما لم تقم عليه امارات تدل على الحليّة أو على جواز الصلاة.
وعليه، فان إجراء اصالة عدم التذكية يؤدي إلى فقدان شرط صحة الصلاة: فيتعارض الظهوران:
• ظهور كون موضوع البطلان هو جلد الميتة، الذي يؤدي إلى صحة الصلاة إذا لم تثبت انها ميتة أي عند الشك في التذكية لعدم احراز كونه ميتة. لكن هذا بمفهوم الوصف لا بمفهوم الشرط، ونحن لا نقول بمفهوم الوصف لانه قال: "جلد الميتة" لو يقل: "إذا كان ميتة"، فجلد غير الميت غير ناظر اليه.
• وظهور اشتراط صحة الصلاة بالعلم بالتذكية الذي يؤدي إلى بطلان الصلاة مع الشك فيها.
ولا اشكال بان نستفيد اصالتين من روايتين، لان احداهما تكون غير تاّمة غير صحيحة أو على نحو التقيّة. اما ان نستفيد اصالتين من آيتين هذا محال.
نلاحظ انه في نفس الرواية هناك ظهوران:
ظهور "فان كان مما يؤكل لحمه" الصلاة بجلده جائز، وما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة بجلده.
وظهور بطلان الصلاة إذا كان محرم اكله سواء كان ذكاه الذبح الميزان حليّة الاكل.
فالظهوران يتعارضان، فتجري اصالة عدم التذكية، فيتم موضوع حرمة الأكل وبالتالي عدم جواز الصلاة تعبدا.
إلا أن يقال: إن الأصل في الجلود هو الحليّة وجواز الصلاة به، للعموم المستفاد من صحيحة علي بن يقطين: ح 1 - محمد بن الحسن بإسناده (معتبر)، عن أحمد بن محمد (ثقة)، عن الحسن بن علي بن يقطين (ثقة) عن أخيه الحسين، عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود، قال: لا بأس بذلك. [3]
قد يقال: السؤال من جواز اللباس لا عن صحة الصلاة، ويمكن التفريق بينهما، فتكون الرواية اجنبية عمن المقام.
فانه يقال: يمكن لمن مارس الروايات والذوق الفقهي ان يدّعي التلازم في الرواية مضافا إلى اطلاق جواز اللباس الشامل لكل الحالات ومنها حال الصلاة.
اما الاستدلال فهو من قوله (ع): "جميع الجلود" هو ظاهر في عموم الحلية لكل الجلود، وقد يدّعى استفادة اصالة الحليّة لكل اللحوم، بالغاء خصوصية الجلود، ولكن هذا غير ظاهر، إذ من الممكن من الذوق الفقهي للمتشرعة التفريق بين حرمة أكل اللحم، وجواز الصلاة بجلد الحيوان صاحب اللحم.