« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية، اصالة الاحتياط.

الموضوع: الأصول العملية، اصالة الاحتياط.

     ذكر ما أورده المحدث الحر العاملي في تعليقه على روايتين تدلان على البراءة.

     التعليق على ما أورده (ره).

     بيان الوجه في عدم ثبوت الاحتياط في الفروج والدماء، وان تجنب المرأتين المشتبهتين من باب وجوب احراز عنوان الزوجية لا من باب العلم الإجمالي.

 

ذكرنا ان الحر العاملي (ره) حشد 61رواية للدلالة على وجوب الاحتياط، وقلنا ان بعضها لا يدل عليه، وقلنا ان الكلام في الاحتياط بالحكم الجعلي المولوي الواصل.

لكن في اثناء بحث الاحتياط ذكر الحر العاملي (ره) روايتين تدلان على البراءة.

رواية: " ما حجب الله علمه عن العباد، فهو موضوع عنهم"، و رواية: " كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى"، كلا الروايتين ظاهر في البراءة، ذكرهما الحر العاملي ليخرّجهما وليقول انهما لا تدلان على البراءة.

ولذلك رأيت من المناسب ان نرى ما يقوله هؤلاء العلماء الاعلام والجواب على ذلك.

فلنشرع في ما أورد المحدث الحر العاملي في ح 28، في تعليقه على قول الامام الصادق (ع) : وفي كتاب توحيد ) وعن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما حجب الله علمه عن العباد، فهو موضوع عنهم. ورواه الكليني عن محمد بن يحيى والذي قبله عن الحسين بن محمد. [1]

أقول (الحر العاملي): هذا مخصوص بالوجوب وأنه لا يجب الاحتياط بمجرد احتمال الوجوب بخلاف الشك في التحريم فيجب الاحتياط، ولو وجب الاحتياط في المقامين لزم تكليف ما لا يطاق، إذ كثير من الأشياء يحتمل الوجوب والتحريم، ولا خلاف في نفي الوجوب في مقام الشك في الوجوب إلا إذا علمنا اشتغال ذمتنا بعبادة معينه وحصل الشك بين فردين كالقصر والتمام، والظهر والجمعة، وجزاء واحد للصيد أو اثنين ونحو ذلك، فيجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما معا قطعا للنص، وتحريم الجزم بوجوب أحدهما بعينه عملا بأحاديث الاحتياط، ويستثنى من ذلك ما لو وجب وطيُ الزوجة واشتبهت بأجنبية، أو قتل شخص حدا أو قصاصا واشتبه بآخر محترم، للقطع بتحريم وطئ الأجنبية مع الاشتباه وعدمه، وكذا قتل المسلم، بخلاف تحريم الجمع بين العبادتين فإنه مخصوص بغير صورة الاشتباه، فان النصوص على أمثالها كثيرة، كاشتباه القبلة والفائتة والثوبين وغير ذلك، وليس بقياس بل عمل بعموم أحاديث الاحتياط، على أن هذا الحديث لا ينافي وجوب الاحتياط والتوقف، لحصول العلم بهما النص المتواتر كما مضى ويأتي، وقوله: موضوع، قرينه ظاهرة على إرادة الشك في وجوب فعل وجودي لا في تحريمه، مضافا إلى النص في المقامين. [2]

أقول في مقام الجواب: ان هذه الرواية واضحة وظاهرها في البراءة وان نوقش في ذلك، فالحكم الذي لم يصلك انت غير مسؤول عنه. وعبارة " فهو موضوع " قد تكون ظاهرة في نفي اصل الحكم أي وضع ما كان مجعولا وثابتا، لكن هذا يؤدي إلى دخالة العلم في – متعلّقه – أي مرحلة الانشاء، وهو دور.

اما قوله (ره): "هذا مخصوص بالوجوب" أي الرواية خاصة في الشبهة الوجوبية. وقلنا ان الاخباريين بمعظمهم يقولون ان الاحتياط خاص في الشبهة التحريمية، دون الوجوبية والموضوعية لان الاصل فيهما البراءة عندهم، إلا الاسترآبادي (ره) يقول بالاحتياط أيضا في الشبهة الوجوبية.

تعليقنا: ان " ما حجب" مطلق يشمل الوجوبية والتحريمية والموضوعية. واما تعليله لخروج الوجوبية " بلزوم التكليف بما لا يطاق"، فيما لو كان الاحتياط شاملا للجميع إذ أن كثير من الأشياء يحتمل الوجوب والتحريم، فهو مبني على القول بوجوب الاحتياط مطلقا مسبقا، وهذا مصادرة على المطلوب.

وقوله: "ولا خلاف في نفي الوجوب في مقام الشك في الوجوب"، قطع (ره) انه لا احتياط في الشبهة الوجوبية. هذا تحكم إلا ان يعتمد على الاتفاق في ذلك تقريبا.

اما الحالات التي ذكرها لوجوب الاحتياط، مثلا في العبادة التي لا تسقط ويجب الاتيان بها ودار الامر بين فردين فنحتاط لعدم خروج الفردين عن الوجوب ونقطع بوجوب احدهما، فإذن يجب الاتيان بهما معا وإلا كان كانت المخالفة قطعية.

اما "ويستثنى من ذلك ما لو وجب وطئ الزوجة واشتبهت بأجنبية، أو قتل شخص حدا أو قصاصا واشتبه بآخر محترم، .... "

تعليقنا: انه يجب وطئ الزوجة ولا يجوز وطئ الأجنبية. قيل لا يجوز وطئ الاثنتين معا عند الاشتباه لوجود المخالفة القطعية. هذا التعليق غير سليم، والصحيح انه لا يجوز وطء امرأة إلا ان تكون زوجة، يجب ان اثبت العنوان، فلا يجوز وطئ الزوجة إلا أن أتيقن أنها زوجة، فسبب وجوب الاجتناب عن المرأتين هو عدم تحقق عنوان الزوجة، وليس مخالفة العلم الاجمالي.

بعبارة أخرى: ما ذكروه في وجوب الاحتياط في الفروج والدماء غير صحيح، فالأحكام تابعة لعناوينها، فيجب ان اثبت عنوان الزوجية حتى يحل الوطء، فهذا لا علاقة له بالاحتياط للعلم الإجمالي والاشتباه بينها وبين الاجنبية.

وهكذا في قتل المسلم يجب اثبات العنوان، فيجب اثبات عنوان القاتل لاقامة الحدّ عليه، وليس عدم جواز قتل القاتل من باب العلم الإجمالي.

وقوله (ره): " على أن هذا الحديث لا ينافي وجوب الاحتياط والتوقف، لحصول العلم بهما النص المتواتر كما مضى ويأتي".

تعليقنا: لماذا لا ينافي؟ فإذا دل الحديث على البراءة كيف لا ينافي ادلة الاحتياط. ثم اننا قلنا إن النصوص اكثرها لا يدل على الاحتياط، فاين التواتر؟.

هذا ما ذكره (ره) في الرد على هذا الحديث، وأيضا لا باس في ذكر ما ذكره في الرد على حديث: " كل شيء مطلق" حديث واضح بالبراءة.

يقول الحر العاملي (ره) في ح 60 - محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق عليه السلام: كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى.

من حيث السند: الرواية مرسلة من مرسلات الصدوق (ره)، وذكرنا سابقا ان الكثيرين قالوا باعتبار مرسلات الصدوق، واما عندنا فليست معتبرة، نعم هي من باب المؤيدات.

أقول (الحر العاملي): هذا يحتمل وجوها.

أحدها - الحمل على التقية فان العامة يقولون بحجية الأصل، فيضعف عن مقاومة ما سبق، مضافا إلى كونه خبرا واحد لا يعارض المتواتر.

تعليقنا: ليس كل العامة يقولون بحجية الأصل - الحنابلة على ما في بالي لا يقولون بالبراءة ويحتاطون في الشبهات التحريمية-.

وثانيها - الحمل على الخطاب الشرعي خاصة، يعني أن كل شيء من الخطابات الشرعية يتعين حمله على اطلاقه وعمومه حتى يرد فيه نهى يخص بعض الأفراد ويخرجه من الاطلاق، مثاله: قولهم عليهم السلام: كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر، فإنه محمول على إطلاقه، فلما ورد النهى عن استعمال كل واحد من الإنائين إذا نجس أحدهما واشتبها، تعين تقييده بغير هذه الصورة، ولذلك استدل به الصدوق على جواز القنوت بالفارسية، لأن الأوامر بالقنوت مطلقة عامه ولم يرد نهى عن القنوت بالفارسية يخرجه من إطلاقها.

تعليقنا: فالشبهات التحريمية الناشئة من غير الخطابات لا تشملها، كالحكم العقلي وبناء العقلاء أو الملازمات، وورد : " ان لله تعالى حجتين: حجية ظاهرة وهي الأنبياء وحجة باطنة وهي العقل".

وإن هذا الحمل لا دليل عليه، وقوله: " حتى يرد فيه نهي" ، وان كان فيه إشارة إلى النصوص، لكن العام: " كل شيء مطلق" عموم لا دليل على تخصيصه.

وثالثها - التخصيص بما ليس من نفس الأحكام الشرعية، وإن كان من موضوعاتها ومتعلقاتها، كما إذا شك في جوائز الظالم أنها مغصوبة أم لا.

تعليقنا: يعني شمول هذا الحديث للأحكام وتخرج الموضوعات. لكنه تخصيص بلا دليل.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، باب12 من ابواب صفات القاضي، باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى والعمل في كل مسألة نظرية لم يعلم حكمها بنص منهم عليهم السلام، ح28، ص119.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، باب12 من ابواب صفات القاضي، باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى والعمل في كل مسألة نظرية لم يعلم حكمها بنص منهم عليهم السلام، ح28، ص119.
logo