46/05/30
الأصول العملية، اصالة الاحتياط.
الموضوع: الأصول العملية، اصالة الاحتياط.
• روايات وجوب الاحتياط عند الشك. وجوابها ان القدر المتيقن منها، بل لا يبعد ظهورها فيما قبل الفحص.
• روايات الشبهة بمعنى الضلالة لا بمعنى المشكوك، وجوابها ان الكلام في الحكم المولوي المشكوك.
• روايات التنبيه في الوقوع في الحمى، وجوابها انها ارشادية تامر بالحفظ على الدين، وانها تحرم الوقوع في الحمى، والحمى هو حرام الله وحلاله، ولم يثبت للمشكوك انه من الحمى.
نعود للروايات التي استدل بها على اصالة الاحتياط، وذكرنا روايات: "اخوك دينك احطت لدينك" وبينا معناها وانها لا تدل على وجوب الاحتياط، بل تدل على وجوب التحفظ. وروايات أخرى وهي الامرة بالتوقف عند الشبهة.
الطائفة الثالثة: وجوب الاحتياط عند الشك:
مثال على ذلك ما ذكره الحر العاملي في وسائل الشيعة في باب صفات القاضي، في هذا الباب الحر العاملي حشد ما امكنه من الروايات لو مما يشير، أراد بذلك ان يثبت نظرية اصالة الاحتياط ولو من اخبار بعيدة عن بحثنا.
نكرر ان محل الكلام هو في الحكم المشكوك المولوي النفسي في الفحص. بتعبير آخر: وجوب الاحتياط النفسي المولوي في الشبهات التحريمية. وقلنا ان الاخباريون ذهبوا إلى الاحتياط في الشبهات التحريمية، اما الشبهات الموضوعية والوجوبية فلم يذهبوا إلى وجوب الاحتياط، إلا الاسترآبادي (ره) قال أيضا في الوجوبية بالاحتياط.
الحر العاملي قد عنون الباب: الباب الثاني عشرمن ابواب صفات القاضي، باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى والعمل في كل مسألة نظرية لم يعلم حكمها بنص منهم عليهم السلام.- هذا رأية وفتواه (ره) -.
الوسائل: ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و(أي طريق آخر) عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا (أي الطريقان)، عن ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى جميعا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن (الكاظم) عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان، الجزاء بينهما؟ أو على كل واحد منهما جزاء؟ قال: لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال (كقاعدة عامة): إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا.
وعن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الرحمن بن الحجاج مثله. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن السندي، عن صفوان مثله. [1]
من حيث السند: السند صحيح.
ومن حيث الدلالة: الرواية واضحة وظاهرة في وجوب التوقف والاحتياط قبل الفحص، اما بعده -وهو محل الكلام- فلا، لان كلامنا في اصالة الاحتياط بعد الفحص، اما قبل الفحص الكثير من العلماء على ذلك، لذا قالوا: في الشبهة الموضوعية كالحكم بان هذا دم او لا لا يجب علي الفحص، اما في الشبهات الحكمية فيجب علي الفحص، اجماعا، ولا استطيع إجراء اصالة البراءة مباشرة وإلا خرج الدين عن كون دينا. هذا ظاهر قبل الفحص.
كذلك ح 7- عنهم عن أحمد قال في وصية المفضل بن عمر قال أبو عبد الله عليه السلام: من شك أو ظن فأقام على أحدهما فقد حبط عمله، إن حجة الله هي الحجة الواضحة.
الرواية دالة على وجوب الفحص، وليس على وجوب الاحتياط بعد الفحص، لأنه بعد العثور على دليل لا يكون قد اقام على الشك أو الظن.
كذلك ح 18- وعن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى مالك الأشتر: اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور - إلى أن قال: أوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم.
وعن علي عليه السلام في خطبة له: فلا تقولوا ما لا تعرفون فان أكثر الحق فيما تنكرون - إلى أن قال: فلا تستعمل الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا تتغلغل إليه الفكر.
من حيث الدلالة: "فلا تقولوا ما لا تعرفون فان أكثر الحق فيما تنكرون" تعنى ان الشيء الذي لا تعرفه قبل الفحص توقف فيه، اما بعد الفحص فقد صرت اعرف سواء من حديث أو رواية أو اجراء اصل عملي، وإذا اتاني مؤمّن ومرخّص فقد صرت اعرف، فيكون خارجا عن وجوب التوقف.
اما دلالة: "فلا تستعمل الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا تتغلغل إليه الفكر". سنرى في الطائفة الأخرى معنى الشبهات، ونذكر ان كلامنا في الشك في الحكم المشكوك، وليس في الشبهة بمعنى الضلالات، كشبهة الواقفة وأبناء العامة وأهل الديانات الأخرى الذين لا يستنيرون بدليل واضح، وغيرهم من أصحاب العقائد المشتبهة المنحرفة.
و ح33- وفي ( الخصال ) عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن العباس بن معروف، عن أبي شعيب يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: أورع الناس من وقف عند الشبهة، وأعبد الناس من أقام الفرائض، وأزهد الناس من ترك الحرام، وأشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب.
أيضا نحن نقول بوجوب التوقف عند الشبهة في الشبهات الحكمية لكن قبل الفحص. كلامنا بعد الفحص هل هناك وجوب احتياط ؟، وادلة البراءة كافية لأنها دليل على المؤمن والمرخص.
وكذلك ح46- وعن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي النعمان، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأناة من الله، والعجلة من الشيطان.
من حيث السند: صحيح.
من حيث الدلالة: الرواية تربية لنا ولا دلالة فيها على وجوب الاحتياط، يريد ان يقول: عند الشبهة توقف ولا تقتحم قبل الفحص. وادلة البراءة كافية بعد الفحص.
الطائفة الرابعة: الشبهة بمعنى الضلالة لا بمعنى الحكم المشكوك: مثلا قيل للشلمغاني وكان فقيها المدعي للسفارة -وورد فيه اللعن- وقد وجدوه على غلام؟! فقال: ان الله يقول: " واحل لكم الطيبات" وهذا من الطيبات. عموم استدل به على جواز فعله.
وفي الوسائل: ج18، ح 19- وعن امير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خطبة له: فيا عجبا ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتفون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات، المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأن كل امرئ منهم امام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات.
من حيث الدلالة: الرواية تتحدث عن الضلالات والعقائد المنحرفة المعروف ما عرف عندهم والمنكر ما انكروا، وليس عن الاحكام، وهذا ليس محل كلامنا ، بل كلامنا في الحكم المشكوك المولوي قبل الفحص.
ح25- وعن أبيه، عن سعد، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: من الورع من الناس؟ قال: الذي يتورع عن محارم الله، ويجتنب هؤلاء، فإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه الحديث.
من حيث الدلالة: "يتورع عن محارم الله" يفترض العلم بالحرام قبل الورع عنه، فالأحكام تابعة لعناوينها، عند العلم بالحرام يتورع عنه، اما في المشكوك بعد الفحص لا يصر محرما. "ويجتنب هؤلاء" تدل على ان المسألة عقائدية اجتناب هؤلاء المشتبهين الضالين.
نكرر ان محل الكلام هو اصالة الاحتياط في الحكم المشكوك المولوي النفسي المجعول قبل الفحص
ح52- علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم ) قال: هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات، ويسود الله وجوههم يوم يلقونه.
المراد من الرواية الشبهات في الأمور العقائدية، وليس الحكم الجعلي المشكوك كما هو محل الكلام.
الطائفة الخامسة: روايات التنبيه من الوقوع في الحمى: وجوابها: ان المراد منها التحفظ كي لا يقع في الحرام، أي إرشاد وليس حكما مولويا، وحمى الله حرامه وحلاله، وخارج الحرام والحلال ليس من الحمى، معنى الروايات واضح في الإرشاد وليس حكما مولويا.
الوسائل، ح 47 - محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كتاب (كنز الفوائد) عن محمد بن علي بن طالب البلدي، عن محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني، عن أحمد بن محمد ابن سعيد بن عقدة، عن شيوخه الأربعة، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة ألا وقد بينهما الله عز وجل في الكتاب، وبينتهما لكم في سنتي وسيرتي ( هذا الجزء واضح في الاحكام)، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح له أمر دينه وصلحت له مروته وعرضه، ومن تلبس بها [و] وقع فيه واتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى، ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله عز وجل محارمه، فتوقوا حمى الله ومحارمه الحديث قال: وجاء في الحديث عن الرسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من أراد أن يكون أعز الناس فليتق الله، وقال: من خاف الله سخت نفسه عن الدنيا، وقال: دع ما يريبك إلى ما [لا] يريبك فإنك لن تجد فقد شيء تركته لله عز وجل. [2]
من حيث الدلالة: عبارة "نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى" ترشد إلى الانتباه في الوقوع في الحمى، تعنى ان يحفظ دينه ، وعنوان " الدين" ينطبق على ما عُلمت حرمته أو حلّيته دون ما لم يعلم.