« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية، البراءة.

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     ومن الإشكالات على الاستدلال على البراءة بالاستصحاب: ما ذكره المحقق النائيني (ره) : إن المتيقن الثابت قبل البلوغ انما هو عدم التكليف في مورد غير قابل له وهي مرحلة الطفولة. وجوابه.

     ومن الإشكالات ما ذكره الشيخ الانصاري (ره) من اختلاف موضوع القضبة المتيقنة مع القضية المشكوكة من حيث العنوان، إذ يختلف عنواني الصبي والبالغ.

     الاوصاف ثلاثة: مقوّم للموضوع، وحالة له، ومشكوك. ولا يجري الاستصحاب في الحالة الأولى والثانية.

 

ومن جملة الإشكالات على الاستدلال على البراءة بالاستصحاب: ما ذكره المحقق النائيني (ره) ومفاده:

انه يشترط في الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ، أي ان موضوع القضية المتيقنة هو نفسه موضوع القضية المشكوكة، وهنا لا يوجد اتحاد في الموضوع.

قال فإذا كان زيد طفلا فلا يثبت له حكم وبعد الطفولة صار بالغا فاشك في ثبوت الحكم.

القضية المتيقنة: هذا زيد الطفل ليس له حكم مثلا : حرمة التدخين، وعند بلوغه اشك بحرمة التدخين عليه، هل هذا الحكم يجري عليه؟ فاستصحب الحكم السابق وهو عدم الحرمة. أو ان الاستصحاب لا يجري؟.

اما النائيني (ره) قال: ان الموضوعان يختلفان. المتيقن السابق قبل البلوغ انما هو عدم التكليف في مورد غير قابل له، أي ان النائيني لاحظ القابلية للتكليف وعدم القابلية للتكليف، في الطفولة لا قابلية للتكليف اما بعد البلوغ هناك قابلية للتكليف.

بعبارة أخرى: ان الموضوع ليس "زيد" من الناس، بل هو هذا المورد غير قابل للتكليف، وقابلية التكليف جزء من الموضوع.

لذلك وصل إلى نتيجة ان ما قبل البلوغ غير قابل للتكليف وهو موضوع القضية المتيقنة، قبل البلوغ ليس عليه احكام، والقضية المشكوكة: هذا زيد الذي اصبح قابلا للتكليف بالبلوغ هل ثبت عليه مثلا حرمة التدخين؟

أجاب النائيني بان الموضوعين مختلفان ويشترط في الاستصحاب اتحاد الموضوعين.

جوابنا: ان هناك قابلية للتكليف في الصبي الراشد المميّز. ان عبادات الصبي صحيحة وليست تمرينيّة، لعموم الخطاب القرآني: "يا أيها الناس" و " يا أيها الذين آمنوا ".

ومن الإشكالات أيضا على جريان الاستصحاب للاستدلال على اصل البراءة:

ما يظهر من كلام الشيخ الانصاري (ره): وهو انه يعتبر اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة عرفا لا دقة، وفي المقام لا اتحاد بين موضوع القضية المتيقنة والقضية المشكوكة.

فالمتيقن هو ان الترخيص والبراءة ثابتة لعنوان الصبي كما في الحديث قوله (ع): "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم". [1]

والمشكوك فيه هو ثبوت حكم الرخصة لموضوع آخر وهو البالغ. فلا مجال للاستصحاب.

بعبارة أخرى: الصبى جزء مفهوم موضوع الحكم وهو هذا الانسان الصبي وليس مجرّد وصف عارض فلا مجال للاستصحاب.

أي ان الشيخ الانصاري (ره) نظر إلى ثبوت عنوان الحكم، وبهذا يظهر الفرق بين وبين النائيني (ره).

والجواب: ان القيود المأخوذة في الموضوع على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مقوّم للموضوع ونعلم بذلك، بحيث لو انتفى القيد انتفى موضوع الحكم كما لو قلنا: "الرجل العالم يجوز الرجوع إليه"، فلو انتفى وصف العالم عنه انتفى جواز الرجوع لانه جزء مقوّم بحيث اذا انتفى القيد انتفى الحكم، وهنا لا يجري الاستصحاب لان الموضوعين يختلفان عرفا.

القسم الثاني: أن يكون القيد حالة من حالات الموضوع، ونعلم بذلك، كما في قول رسول الله (ص): "عليك بخاصف النعل" أي عليك بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، فإن خصف النعل حالة من حالات علي (ع)، وليس مقوّما لموضوع الالزام والرجوع، وورد لمجرد الإشارة إلى الموضوع ولا دخالة له به، فلو انقضى التلبس بخصف النعل يبقى موضوع وجوب الاتباع. وهنا أيضا يجري الاستصحاب لان الموضوع نفسه موجود.

القسم الثالث: اشك في القيد في كونه مقوّما أو حالة. مثلا: "الكر لا يتنجس بملاقاة النجس إلا ان يتغيّر طعمه أو لونه أو ريحه"، فلو فرضنا زال التغيّر، فهل نستصحب نجاسة الماء الكر؟

فإذا قلنا إن التغيّر سبب لثبوت النجاسة حدوثا وبقاء، لا تبقى النجاسة، لان الحكم بالنجاسة يدور وجودا وعدما مدار التغيّر، فإذا زال زالت. وحينئذ يكون التغيّر مقوما لموضوع الحكم، فإذا انتفى التغير انتفى الموضوع، فلا استطيع إجراء الاستصحاب لو شككنا.

وإذا قلنا ان التغيّر حالة مسببة لحدوث النجاسة، أي سبب لحدوثها دون أن يكون سببا لبقائها، فإذا زال التغيّر بقي الحكم بالنجاسة. وإذا شككنا في كون التغيّر مقوما لموضوع النجاسة أو حالة له، فعند زواله لا نتحقق من بقاء الموضوع، بل يحتمل أن يكون موضوعا آخر، فلم يثبت اتحاد القضيّة المتيقّنة مع القضيّة المشكوكة موضوعا، فلا يجري الاستصحاب لانه يجب ان اتيقن من اتحاد الموضوعين.

لذلك: إذا كان الوصف مقوما فإذا زال الوصف زال الحكم لان المعلول يدور مدار العلّة وجودا وعدما. وإذا كان الوصف حالة أيضا يكون نفس الموضوع باق، اما إذا كان مشكوك مقوما او حالة حينئذ لا استطيع ان اتيقن بوحدة الموضوع فلا استصحاب حينئذ.

ونعود للاستدلال باستصحاب رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، فهل الصبى مقوم للموضوع او حالة من حالاته؟. فإذا شككنا قلنا ان الموضوع لا يثبت ومع عدم ثبوته لا استطيع ان أقول باتحاد القضيتين فلا يجوز الاستصحاب.

فالإنصاف أن هذا الاشكال على جريانه فيه متين.

اما في مسألة نجاسة الكر بعد زوال التغيّر: فإن المعلول كما يحتاج إلى علّة لحدوثه، فإنه يحتاج إلى علّة لبقائه.

والتغير علّة لثبوت النجاسة، وقد ارتفع، وبقاء النجاسة – الحكم- يحتاج إلى علّة أخرى، ولا دليل عليها.

وعليه: يكون الكر بعد زوال النجاسة مما ينطبق عليه الحديث -الرواية المعتبرة-: " كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر، فإذا علمت انه قذر فقد قذر". أي تطبيق القواعد العامة وهي قاعدة الطهارة بعد عدم جريان الإستصحاب.

إلى هناك نكون قد انتهينا من اصل البراءة وادلته، ونستطيع ان نقول ان اصل البراءة والبراءة العقلية، هو رفع المسؤولية أمر ثابت من عموم الآيات والروايات، وكذلك بحكم العقل بعد ان استطعنا ان نخرج من اشكال التدافع بين قاعدة قبح العقاب بلا بيان وقاعدة دفع الضرر المحتمل، فتبقى قاعدة قبح العقاب بلا بيان بلا منازع. إذن البراءة العقلية ثابتة، والبراءة الشرعية بمعنى رفع المسؤولية شرعا ثابت اقله بحديث الرفع.

اما اصل الاباحة فالأدلة أيضا دلّت على ذلك. وننتقل إلى اصالة الاحتياط.

 


[1] مصباح الأصول، تقريرات بحث السيد الخوئي، للبهسودي، ج2، ص289.
logo