« قائمة الدروس
آیةالله الشيخ بشير النجفي
بحث الفقه

46/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة في المكان المغصوب مجهول المالك/مكان المصلي /كتاب الصلاة

 

الموضوع: كتاب الصلاة/مكان المصلي /الصلاة في المكان المغصوب مجهول المالك

وصلنا الكلام إلى مسألة الأرض المغصوبة مجهولة المالك، وقلنا إن اليزدي حكم بالرجوع فيها إلى الحاكم الشرعي، والكلام الآن في الروايات التي دلت على جعل العلماء قضاة أو حكاماً.

الرواية الأولى من الباب الحادي عشر من أبواب القضاء، ومع غض النظر عن سند الرواية هي رواية عمر بن حنظلة وهو محل كلام حسب ما تقدم غير مرة:

سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقا ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ﴿يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به﴾ قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم الله، وعليه رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله.

والرواية لها ذيل وهذا المقدار من هذه الرواية يكفي في المقام.

هذه الرواية استدلوا بها على كون العالم قاضياً.

وكذلك الرواية السادسة من نفس الباب:

عن أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال: قل لهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد جعلته عليكم قاضياً، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر.

وهذه الرواية مضمونها متسق تقريباً مع مضمون الرواية الأولى.

الرواية التاسعة من نفس الباب:

عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت أبا محمد ابن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف: أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك إلى أن قال وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله وفي بعض النسخ حجة الله عليهم.

استدل الفقهاء (رض) بهذه الروايات الثلاث على ولاية المجتهد ولاية عامة، والبحث عن الولاية العامة شيء وكونه حاكماً فيه يحسب أمور الناس ويحل مشاكلهم شيء آخر.

الولاية العامة يعني أن له سلطان على كل شيء حتى الحكم بكون فلانٍ ابنَ أبيه أو لا، ولا يُسأل، هذا معنى الولاية العامة.

أما القاضي فهو لحل الأمور المختلف فيها بين الناس.

هذه الروايات الثلاث راجعة إلى المعنى الثاني وليس إلى المعنى الأول، المعنى الأول هو أن يكون له سلطان فوق السلطان كله، أي أنه يحكم بحكم الأئمة وبحكم الله سبحانه وتعالى مطلقاً سواء كان متنازعاً فيه أو غير متنازع فيه.

فالاستدلال بهذه الروايات الثلاث على الولاية المطلقة محل بحث ونقاش، أنها هل تدل على ثبوت الولاية أو لا، أم أنه يثبت منها صلاحية الحكم فقط إذا تنازع اثنان في أمرهم؟

والذي استظهره بعض الفقهاء (رض) هو المعنى الثاني، أما ثبوت الولاية بمعنى السلطان المطلق فهذا معنى غير واضح حسب رأيهم (رض).

ثم إن السيد الأعظم أرجع هذه الروايات إلى البحث في الأمور الحسبية، فما هي الأمور الحسبية؟

صرح الأعلام أن المقصود من الأمور الحسبية ما حسابه على الله، والفقهاء (رض) قديماً وحديثاً أن معنى الأمور الحسبية أي أن الفعل بالحكم يكون محرماً الأولي ولكن نعلم بأن الشارع لا يرضى بتركه، مثال ذلك مثلاً أن مالاً وصاحبه غير موجود كاد أن يحترق أو يغرق أو نحو ذلك، فالتصرف في مال الغير بالعنوان الأولي محرم، إتلافه والتصرف به والاستيلاء عليه لا يجوز، ولكن نعلم فعلاً أن هذا المال إن لم نأخذه ونبعده من الغرق، أو النار فإنه يتلف.

فحينئذٍ يحكم العقل بوجوب أخذه وإبعاد هذا المال من موارد التلف بالنار أو الغرق أو غير ذلك من الأسباب.

هذه الروايات أشار إليها السيد الحكيم (رض) استدل بها السيد الأعظم (رض) على جواز التصرف في الأمور الحسبية حسب الوظيفة الشرعية، ولكن جعْلُ هذه الروايات بهذا المعنى بالخصوص غير واضح؛ إذ قد ورد في هذه الروايات عنوان القاضي وعنوان الحاكم ولا شك في أن هذا المعنى لا يشترط فيه أن يكون الإنسان حاكماً أو قاضياً بل يكون رجلاً من عامة الناس أيضاً إذا رأى مال مسلم يتلف أو يغرق أو نحو ذلك يجب عليه عقلاً أن يحفظه، فما أفاده السيد الأعظم (رض) غير واضح.

وتقدم منا مطلب نشير إليه دون إعادته وهو الفرق بين التصرف والاستحقاق والاستيلاء ونحو ذلك، فكلام اليزدي في هذه المسألة وفي المسائل التي تأتي كلها خلط بين هذه الأمور فاعتبرها كلها تصرفاً مع أن هذا لا يليق بشأنه الشريف.

مسألة أخرى: إذا كان المال مشتركاً فلا يجوز لأي من الشركاء التصرف في المال بدون رضا الباقين، سواء كانوا شركاء على التساوي أو لا، وما أفاده (رض) اتفق عليه حكيم الفقهاء والسيد الأعظم (رض) والموازين أيضاً تساعد ذلك، ولكن المشكلة التي وقع فيها اليزدي (رض) هي الخلط بين التصرف وبين الاستيلاء وبين الاستحقاق ونحو ذلك فهذا الخلط أيضاً موجود في هذا المورد ولكن بعد توضيح معنى التصرف ومعنى الاستحقاق والاستيلاء لا يخفى عليكم التعبير الصحيح إن شاء الله تعالى.

 

logo