46/11/05
الصلاة في فضاء مغصوب/مكان المصلي /كتاب الصلاة
الموضوع: كتاب الصلاة/مكان المصلي /الصلاة في فضاء مغصوب
عرضنا في خدمتكم في الدرس السابق أن هناك نحواً ثالثاً في الغصب وهو الاستخدام وهذا بحسب ما يظهر لم يلتفت إليه السيد الأعظم ولا حكيم الفقهاء (رض) حسب تتبعي الناقص لكلماتهما (رض).
وقلنا إن هناك فرقاً بين العناوين الثلاثة: التصرف والانتفاع والاستخدام.
يظهر من أمثلة السيد حكيم الفقهاء ـ وليس من كلامه ـ أنها كلها للانتفاع الانتفاع بالمجاورة والانتفاع بالنظر والانتفاع بالرؤية وكذلك الانتفاع بشم الطيب.
وهذا بحسب نظر خادمكم ليس صحيحاً بل بعضها انتفاع وبعضها استخدام، ولكن لا يصدق التصرف على شيء من هذه الأمثلة.
فالتصرف الذي فسرته في خدمتكم تبعاً لعلماء اللغة وعلماء غريب الحديث وغريب القرآن، أنه حقيقةً هو الممارسة والمباشرة بحيث يكون الإنسان يمارس نفس الشيء، وأما يستفاد منه من بعد فهذا ليس تصرفاً كما عرضنا في خدمتكم.
وأما الانتفاع فلا يكون لقصد منشئ الفائدة دخل فيه، هذا هو الانتفاع.
وأما الاستخدام فهو أن يكون الشيء غريباً أجنبياً عن الإنسان المستفيد وهذا الشيء الغريب هو الذي يفيد هذه الفائدة، ومثلنا له بالعبد.
وأكثر الأمثلة التي التي ذكرها السيد حكيم الفقهاء (رض) لم يفرق فيها بين قصد المستفيد وعدمه.
فمثلاً الإنسان إذا كان ماشياً غير ملتفت إلى شيء فيشم رائحة الورد، والورد موضوع في طريقه، فهاهنا لا دخل لقصد المستفيد ولا لقصد منشئ الفائدة، أي نفس الورد.
أما من يجلس في ظل الحائط فنفس المتظلل يقصد التظلل.
والسيد الحكيم يجعل كليهما انتفاعاً دون تفريق وهذا غريب جداً جداً.
كذلك ما يستفاد بالعين وبالنظر بحيث يتمعن بصورة ما، أو ينظر إليها بالشاشة أو بصورة مرسومة على الورق فهاهنا قصْدُ صاحب النظر له دخل، وهذا أيضاً جعله السيد (رض) من أمثلة الانتفاع وغريب جداً.
وهذا خلط بين معنى الاستخدام وبين معنى الانتفاع.
وهناك مطلب أشرنا إليه وهو موجود في كلمات السيد الأعظم (رض) وهو أنه إذا صلى تحت سقف مشرف على السقوط، فهاهنا حكم بفساد الصلاة، وببطلانها، ولكن ارجو التأمل، أوعز بطلان الصلاة إلى الظرف، وهو غريب جداً، فليس الظرف هو المخيف من الهلاك بل السقف الآيل للسقوط!
واعتبره خوفاً من الظرف، لكن فيه أن الظرف يعني يقصد به الفضاء الذي يحيط بالإنسان، فهل خاف المصلي في مفترض الكلام من ظرفه أو من السقف؟
كيفما كان عرضنا في كلماتنا الفرق بين ثلاثة أنواع، وقلنا إن المعتمد هو المعنى الدقيق لا الرجوع إلى العرف حيث قلنا مراراً وتكراراً في الأصول وفي الفقه أن تحكيم العرف في تحقيق المصاديق هو ما ذهب إليه جملة من الفقهاء بل لعله لم أجد أحداً لم يسلك ذلك بل كلهم اعتمدوا على العرف، غريب؛ تحكيم العرف في تحقيق المصداق دون تحكيم العقل.
كيفما كان هذا ما فعله السيد الأعظم، وهو أنه أدخل بالقصد التصرفَ في الاستخدام، إما من الطرفين أي مصدر الفائدة أو من نفس المستفيد، فكلا القصدين له دخل أو أحدهما، فإذا كان هناك قصد من أحد الجانبين أو من كليهما، فهذا استخدام.
وأما إذا لم يكن أي دخل في القصد أبداً، كالإنسان الذي يستفيد شيئاً بدون القصد مثلما عرفت فهذا انتفاع.
وأما التصرف بالمعنى اللغوي الدقيق هو أن يكون ممارسة ومباشرة كالسجود في المكان المغصوب أو المباح مثلاً أو والانتفاع والاستخدام ليسا تصرفاً.
ولكن بما أن العرف يتسامح في التعبيرات العرفية فيستخدم الكلمات الثلاثة بمعاني بعضها، أي يستخدم الانتفاع بمعنى الاستخدام، والاستخدام بمعنى التصرف، والتصرف بمعنى الاستخدام والانتفاع.
وهذا الذي سبب الخلط بين هذه العناوين الثلاثة.
بعد هذا التمهيد تتميماً للتمهيد السابق نرجع إلى الفروع التي أفادها الفقيه الأعظم (رض) صاحب العروة، الفرع الذي نتكلم فيه هو أن يكون الإنسان يصلي والفضاء المحيط بالمصلي مغصوب، فالمكان ليس مغصوباً ولكن الفضاء الذي يحيط بالمصلي هو المغصوب.
كيف يمكن فرض ذلك؟ لم يذكره السيد الحكيم ولا السيد الأعظم ولا صاحب العروة ولكن الذي أتخيله والعلم عند الله سبحانه ما قلناه من أن الفضاء قد يكون محاطاً بشيء ونحو ذلك وقد لا يكون محاطاً، فاذا كان محاطاً بالحائط أو بالجيران أو نحو ذلك فالجو الذي يكون في هذا المحيط تابع للأرض التي عليها هذا الفضاء.
وأما إذا لم يكن محاطاً مثل الفضاء الذي يحيط المزرعة أو الشجر ونحو ذلك فخارج عن الكلام.
صاحب العروة قال إن عدّ تصرفاً، وهذا مجرد احتمال صدق عنوان التصرف على هذا الفضاء قلت غير واضح، بل هو استخدام، استخدام لأن الإنسان الذي يصلي لقصده دخلٌ، أن يستفيد من هذا الفضاء وحينئذ فهذا استخدام وبما أن هذا الفعل قصدي للمكلف ففي الصلاة مع الاستفادة من الجو المغصوب فصلاته باطلة وحكمه بالبطلان.
كما أن السيد الحكيم (رض) اعتبر أن الاستفادة في الصلاة من حبال الخيمة المغصوبة أو المسامير المغصوبة أو نحوها ليس تصرفاً فلم يحكم ببطلانها بل عده من الانتفاع، ولكن قلنا قبل قليل انه خلط بين الانتفاع وبين الاستخدام.
نعم، نفس الخيمة يستفيد منها بلا واسطة بين الخيمة وبين المصلي ولكن استفادته بالحبل وكذلك المسمار فهذا استفادة بالفائدة، وقلت في خدمتكم إن الانتفاع لا يكون فيه قصد أبداً، أما في الاستخدام فربما يكون هناك قصد من الطرفين كما يكون من طرف واحد وهنا يتحقق الاستخدام.
وقد أشكل السيد الأعظم (رض) على صاحب العروة أن هذه الأمثلة ليست تصرفاً، لكنه عدها انتفاعاً، وهو غريب!
نعم في هذه الأمثلة التي ذكرها الأعلام هناك نقطة لا بد من الالتفات إليها وهي أن المكلف قد لا يتمكن من الصلاة خارج الخيمة المغصوبة، عقلا لا يتمكن، كما لو ربط وقيّد داخلها.
قال (رض) إنه ليس تصرفاً ـ وهو الصحيح لأنه انتفاع فهو مضطر إلى ذلك وغير قاصد ـ ولكن في مثال آخر وهو أن يستخدم الخيمة حيث لا يتمكن من الصلاة، حكم ببطلانها، غريب جداً!
خلط (قده) بين ما كان تحت سقف من جهة اتقاء الحر الشديد أو البرد الشديد وبين ألا يتمكن من الصلاة خارجها.
فإذن نلتزم بصحة الصلاة إذا لم يتمكن من الصلاة خارج الخيمة لأنه مجبور لا يستطيع الإتيان بالصلاة في مكان آخر.