46/10/20
الصلاة في المكان مغصوب حق السبق/مكان المصلي /كتاب الصلاة
الموضوع: كتاب الصلاة/مكان المصلي /الصلاة في المكان مغصوب حق السبق
وصل بنا الكلام إلى بحث الصلاة في مكان قد غصب فيه حق السبق، يعني إذا كان هناك مكان في المشهد أو في المسجد أو مكان آخر مثل السوق فسبق إليه أحد وأخذ المكان ثم يأتي شخص آخر يدفعه عن ذلك المكان فيصلي فيه.
حكم اليزدي (رض) بأن صلاته باطلة.
ووقع البحث بين الفقهاء (رض) في عدة جوانب من هذا المكان:
واختلفوا حتى في كلام اليزدي فاعتبر بعضهم وجود إشارة في كلامه إلى الاختلاف؛ إذ قال الأقوى أن الصلاة باطلة، وفسروا ذلك بأنه يعني وجود قول آخر وهو القول بصحة الصلاة.
وهو صحيح فمن جملة القائلين بصحة الصلاة في مفروض الكلام صاحب الجواهر (رض) أعلى الله درجاته في عليين.
وعلى كل حال فقد تعرض صاحب الجواهر إلى الأدلة، وأما خصوص الأدلة في هذه المسألة فيقول أولاً الأصل أن الصلاة صحيحة، ولا شك في أن من سبق إلى المكان هو أولى به من غيره ولكن هذه الأولوية حسب زعمه الشريف لا تقتضي بطلان الصلاة؛ إذ لا ملازمة بين أولوية الصلاة للأول وبين بطلان الصلاة من الثاني أو الثالث، وفهم معنى الأولوية بأن الأول ثبت له علاقة مع هذا المكان لا أن له في نفس هذا المكان حقاً، هكذا أفاد (رض).
والسيد الأعظم (رض) أيضاً مال إلى هذا إلى القول أي عدم بطلان الصلاة.
وأما الظاهر من كلام اليزدي (رض) فثبوت الحق له لا الأولوية.
وكلام صاحب الجواهر (رض) غير واضح؛ لأن الإنسان إذا كان أولى من غيره بشيء فالأولوية معناها ثبوت ارتباط بين الإنسان وبين هذا الشيء، فنفس الأولوية هنا تفيد الأحقية وإلا إن لم يكن تخصص فالأول أولى من أي جهة؟
فيثبت بها حق للأول في هذا المكان وأما الثاني أو الثالث الذي أراد أن يصلي فيه فقد غصب هذا الحق الذي اقتضته أولوية الأول دون الثاني وغيره، فدعوى صاحب الجواهر (رض) على ما هو موجود في الجواهر ليس واضحاً جداً.
وأما استدلاله (رض) بالأصل هنا، فرد عليه السيد الحكيم (رض) بوجود روايتين في المقام.
واستدل صاحب الجواهر أيضاً بأنه لا يصح إقامة العقد على هذا المكان بأن يتنازل الأول عن حقه ويأخذ شيئاً من الثاني، وهذا ليس واضحاً أيضاً؛ والوجه في ذلك أن ثبوت صحة المعوض يحتاج إلى أمرين:
الأول هو إقرار العقلاء، بأن يجوزوا أن يتنازل صاحب الحق ويأخذ شيئاً من المال.
والثاني أن الشارع المقدس لا يمنع من ذلك وإذا كان كذلك فيجوز الأخذ والمكان غالباً من هذا القبيل.
فالنتيجة إن العقلاء يجوزون أخذ العوض مقابل التنازل عن هذا المكان، ولم يمنع من الشارع.
نعم، قد يناقش ذلك بأن الرواية فيها إشارة إلى عدم الجواز، لكن صاحب الجواهر لم يستدل بالرواية.
وأما الروايتان في هذه المسألة حسب ما ذكر صاحب الوسائل (رض):
فإحداهما هي الرواية الأولى من الباب السادس والخمسين من أبواب أحكام المسجد، ومع قطع النظر عن السند:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: تكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجئ آخر فيصير مكانه، فقال: من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته.
فمعنى ذلك أنه الإمام ـ إن صحت الرواية ـ أثبت حقه وهو خلا ما أفاد صاحب الجواهر (رض).
وثانيهما: الرواية ثانية من نفس الباب:
عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع) سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل، وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء.
ها هنا كلمة ليل، وفي الرواية الأولى كلمة يوم وليلة، وهذه لعلها إشارة فاختلاف بين الروايتين إلى كون الأسواق مختلفة.
وأما خصوص الرواية الثانية ففيها ذيل، قال: وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراءً.
كان على صاحب الجواهر أن يستدل بهذا الذيل في الرواية الثانية على عدم جواز أخذ المال من الأول، وإن أمكن مناقشة ذلك بأن الأخذ الممنوع بعنوان الكراء، أما إذا كان بعنوان الهبة فذلك بحث آخر، فالنتيجة ما أفاده صاحب الجواهر غير واضح جداً.
والذي ينبغي أن يقال والعلم عند الله وعند الراسخين في العلم بعد فرض أنه يثبت لصاحب المكان حق، فمن جلس في مكان من المسجد أو من السوق أو غير ذلك من الأمكنة المباحة، فتثبت فتوى اليزدي (رض) من جهة أنه قال بالحق، وصريح قول الإمام عليه السلام: فهو أحق.
قوله أحق لا ينفي أن للثاني حقاً ومقتضى باعتباره مسلماً من المسلمين ولكن الأحقية ثابتة للأول فإذا كانت ثابتة فلا مانع من أخذ العوض لكن لا بعنوان الكراء باعتبار أن الرواية الثانية تمنع من ذلك.
يبقى الكلام في سند هذه الرواية، أما الرواية الأولى فيقول الراوي عن بعض أصحابه، ولم نعلم من هو هذا البعض فهي مرسلة إذن وتكون ضعيفة، مع أن باقي الرواة معتبرون.
ودعوى حكيم الفقهاء كون الظاهر أن محمد بن إسماعيل أخذ من كتابه باعتباره صاحب كتاب، مجرد احتمال وليس له شاهد.
وأما الرواية الثانية ففي سندها طلحة بن زيد، وطلحة هذا رجل عامي ولم يرد فيه توثيق إلا أنه ورد في إسناد كامل الزيارات، وتعلمون أن سيدنا الأعظم سابقاً كان يقول بوثاقة كل من ورد في كامل الزيارات ولكن بعدما أشكل عليه من بعض المحترمين تنازل عن هذا الرأي وقال بتوثيق خصوص مشايخ صاحب الكتاب وهذا ليس من مشايخه الكتاب فالرواية أيضاً ضعيفة.