46/06/23
ستر العورة في الصلاة/شرائط لباس المصلي /كتاب الصلاة
الموضوع: كتاب الصلاة/شرائط لباس المصلي /ستر العورة في الصلاة
كنا نتكلم حول ما أفاده اليزدي (رض) في من لم يجد ساتراً، معظم الفقهاء (رض) ذكروا لفظ الساتر وذكروا ما لا يجوز الصلاة فيه، وقد وقع الخلط في مطلب ينبغي التعرض له.
بالنسبة إلى عورة الإنسان ومع قطع النظر عن تحديد العورة فالبحث فيما هو الواجب تغطيته عن الناظر شيء والبحث عن أصل وجوب الستر لأجل صحة الصلاة شيء آخر.
وقد ذكرنا أن الخلط وقع في كلماتهم (رض) حينما قالوا بصحة الصلاة في الحفرة وفي هذه الأمور التي ذكرها صاحب العروة (رض) فبعضها في أصل الساتر الصلاتي، وبعضها من الستر عن الناظر.
فمثلاً نفس صاحب العروة (رض) في هذه المسألة ذكر أنه يستر جسده بالحشيش والورق، مع أن كلمة الحشيش موجودة في كلام الإمام (ع) ولكن لفظ الورق غير موجود، فلم خلط الورق بالحشيش؟ غير واضح.
ثم بعد ذلك ذكر الطين والحفرة والماء الكدر، ولكن الحق أن الماء الكدر وكذلك الحفرة يستر عورته عن الناظر ولكن لا يتحقق بهما الساتر الصلاتي، لما هذا الخلط في كلمات الأعلام (رض)، لست أدري.
كذلك فإن السيد الحكيم (رض) والسيد الأعظم دخلا في مباحث أخرى لطيفة جداً علمياً، إنما المشكلة في تحديد الموضوع، فالستر قد يتحقق عن الناظر ولكن لا يتحقق معه الستر لأجل الصلاة، فمثلا لو كان الإنسان وحده بالغرفة عارياً فحينئذٍ هو مستور من الناس ومن الناظر ولكن لا تصح منه الصلاة في هذه الحالة، لأن الستر الصلاتي بالغرفة غير متحقق رغم كون الستر عن الناظر متحقق.
لما هذا الخلط في كلام اليزدي (رض) مع أنه قلما نجد مصنفاً تعرض للفروع بالدقة وبالكثرة مثل هذا الفقيه (رض).
ثم ما معنى ستر العورة، هل ستر حجم العورة، هل ستر جلد العورة، أو هل يكفي ستر ما يشار به إلى العورة مثلاً ولو من وراء الثياب ونحو ذلك، أيضاً هذا الجانب غير واضح في كلماتهم.
ثم إن صاحب العروة (رض) لم يحدد في مسائله الساتر الصلاتي أي ما هو الذي يجب ستره.
نعم، في غير ذها المورد ذكر، لكن هنا لم يذكر.
ونحن قد عرضنا في خدمتكم أن الساتر الصلاتي عند الرجل من الركبتين إلى الثندوتين، اما بالنسبة للمرأة الحرة المسلمة من دون ناظر فالجسم كله يجب ستره، إلا الجارية جاز لها كشف رأسها.
كيفما كان فصاحب العروة هاهنا ذكر الساتر من حيث الناظر لا من حيث الصلاة، وأما الستر الواجب في الصلاة فالمقصود به أن يتحرك الإنسان مستوراً، يركع أو يسجد مستوراً، هذا معنى الستر الصلاتي.
فلما جر صاحب العروة (رض) الكلام من الستر الصلاتي إلى الستر عن الناظر، حتى يذكر الماء الكدر والحفرة؟
نعم هناك مطلب آخر وهو ينبغي لطالب العلم أن ينظر إليه ولعله منشأ هذا الخلط عند الأعلام (رض) وهو أن الإنسان إذا صلى عارياً قد يكون يحتاج إلى ستر عن الناظر حتى وإن كان الستر الصلاتي مفقوداً، فلعل صاحب العروة (رض) لذلك أدخل هذه الأمور في الستر الصلاتي.
ولكن كلامه مجمل، يقول إذا فقد الساتر فليشتر نفسه بالورق والحشيش والطين أو الحفرة أو الماء الكدر ونحو ذلك من الأمور التي ذكرها (رض).
ثم العجب من صاحب العروة (رض) ولكن سكوت السيد الأعظم وسكوت حكيم الفقهاء (رض) أعجب.
لأن الإنسان إذا كان يصلي عارياً فلا فرق حينئذٍ بين كونه في الماء الكدر أو الحفرة وغير ذلك، هو يصلي عارياً، والساتر الصلاتي مفقود، أما إذا كان يصلي وفي الوقت نفسه يخاف من نظر الناظر فحينئذٍ يدخل إلى الحفرة ويدخل إلى الماء الكدر ونحو ذلك.
بهذا البيان كان على هؤلاء الأجلاء الثلاثة أن يبينوا المطلب.
لمَ لمْ يبينوه؟ لست أدري.
كذلك الستر بالطين فيه كلام، فلو جعل كومة من الطين على عورته تحقق الستر حقيقية، ولكن لو طلى لو لطخ عورته به، فهذا ليس ستراً.
ثم ما هو الدليل عنده (رض) أن الطين ساتر؟ أفاد حكيم الفقهاء (رض) أنه لم يجد دليلاً على أن الطين ساتر، وقصد أنه لا دليل على كونه ساتراً صلاتياً؛ إذ لا كلام في كونه ساتراً عن الناظر.
نعم، لو ثبت تعبداً كونه ساتراً صلاتياً قلنا به.
والعمدة في المقام صحيحة علي بن جعفر سلام الله عليه، وهي الرواية الأولى من الباب الخمسين من أبواب لباس المصلي:
روى الشيخ الطوسي (رض) بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن العمركي البوفكي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليهم السلام)، قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة، كيف يصلي؟ قال: إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم.
وقوله عليه السلام: وإن لم يصب شيئاً، مقصود منه الحشيش أو غيره ولعله من هذه التوصية في ذيل الرواية فهم صاحب العروة (رض)إلحاق الورق به.
وهي الرواية الأولى من الباب الثاني والخمسين من أبواب لباس المصلي:
عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلى عرياناً جالساً يومئ إيماء يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثم صلوا كذلك فرادى.
وهذه الرواية ليست صحيحة؛ ففيها السندي بن محمد، حيث ذكر صاحب جامع الرواة مرة أسماه سعيداً أو مرة سعداً، ولم يرد فيه توثيق، فهذه الرواية سقطت من حيث السند من جهة السندي بن محمد، والسندي لقب وليس اسماً.
وإنما قرأت الرواية في خدمتكم مع قطع النظر عن سندها لأن حكم العقل موجود فيها، وهو أنه إذا وسع الوقت في الصلاة فلابد للإنسان الذي لم تتحقق عنده جميع مقدمات الصلاة أن يسعى لتحقيق باقي مقدماتها فحينئذٍ يؤخر الصلاة.
فذيل الصحيحة التي قرأتها في خدمتكم الآن لابد من تقييدها بهذين القيدين وهو أن الإنسان الفاقد للساتر إذا كان وقته وسيعاً لا يبادر إلى الصلاة ويلبس الحشيش أو غيره إذا لم يجد.