46/04/17
لباس المصلي: الصلاة بالحرير المخلوط
الموضوع: لباس المصلي: الصلاة بالحرير المخلوط
قال اليزدي (رض) أنه إذا صلّى في حرير مخلوط ولا يعلم أنه خليط مع مأكول اللحم أو مع غير مأكول اللحم جازت الصلاة فيه.
والذي ينبغي أن يقال في دليل هذه المسألة أن المنع من جهة الحرير لا تثبت باعتبار أن الحرير ليس محضاً وليس خالصاً أو أنه مخلوط.
وأما الخليط فهو مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، فهو مشكوك فإن كان من غير مأكول اللحم لم تصح الصلاة فيه وإن كان من مأكول اللحم صحت.
ولذلك يُحكم بصحة الصلاة باعتبار أنه مشكوك في كونه تصح الصلاة فيه أم لا.
والعمدة في باب الصلاة في غير مأكول اللحم وفي مأكول اللحم موثقة ابن بُكير التي ذكرناها أمس وهي حاكية لسؤال زرارة وجواب الإمام (ع)، وجواب الإمام (ع) مبنيٌ على كتاب مكتوب من إملاء رسول الله (ص).
و مع قطع النظر عن البحث عن اللباس المشكوك ـ فقد قلنا في محله تبعاً للعلماء أنه تجوز الصلاة في اللباس المشكوك ـ إنما الكلام فيما أفاده حكيم الفقهاء (رض):
أصل الرواية هكذا:
قال: سأل زرارة أبا عبدالله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله (ص) أن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله، والصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يُصلي في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول الله (ص) فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان مما يؤكل حلمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز، إذا علمت أنه ذكيٌ قد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما نُهيت عن أكله وحرم أكله، فالصلاة في كل شيء منه فاسد، ذكاه الذبح أو لم يذكه.
قال حكيم الفقهاء (رض) إن قوله عليه السلام: لا تُقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل أكله لا تفيد أن كون الشيء من مأكول اللحم شرط في صحة الصلاة.
وواقعاً ما أفاده السيد الحكيم (رض) من أن قوله عليه السلام معناه أن الصلاة تُقبل فيما يؤكل لحمه، فقط بهذا التفسير، الصلاة فيما يؤكل لحمه مقبولة، وهذا بيان لكونه فاسدة، جداً غير واضح.
ولكن قررنا في الأصول وفي موارد مختلفة أن الحكم إذا كان موضوعه مقيداً فحينئذٍ ذلك الحكم يدور مدار القيد، فإذا كان المقصود من قوله الصلاة فاسدة يعني الصلاة لا تقبل إلا من مأكول اللحم، فإذن جُعل الموضوع وهي الصلاة مقيدة بقيد وذلك القيد هو فيما يؤكل لحمه، فالحكم يدور مدار القيد ـ وإلا لكن ذكر القيد لغواً في الكلام ـ فإذا كان كذلك فنفس هذه الجملة أي أن الصلاة فيما يؤكل لحمه جائزة، دليل على الشرطية وهو أن الصلاة لابد أن تكون فيما يؤكل، إذا كانت فيما كان من جلد حيوان أو من صوفه أو من شعره.
إصرار حكيم الفقهاء (رض) في المقام بأنه هذه الجملة لا تدل على شرطية كون الصوف والجلد من مأكول اللحم، غير واضح.
ولكن قد بيّنا في محله أنه لا يشترط إحراز أنه من مأكول اللحم، فالشك في ذلك كافٍ للصحة، وتوضيح هذا الجانب من الكلام في المسألة بأن يقال:
يجري حينئذٍ استصحاب أنه إذا شُك في أن هذا مأخوذ من مأكول اللحم أو غير مأخوذ، فتجري أصالة حلية اللبس وأصالة صحة الصلاة بمعنى أنه تشك في أن الصلاة فاسدة أو ليست كذلك.
أما إصرار سيدنا الأعظم (رض) بأنه يجري استصحاب في الأعدام الأزلية غير واضح، وإن كان (رض) يصر في جميع بياناته في الأصول والفقه أنه استصحاب العدم الازلي جاري عنده (قده)، ولكن بينا في محله أن إصراره الشريف على أنه يجري استصحاب في الإعدام الازلية غير واضح؛ فالاستصحاب عبارة عن الاعتقاد ببقاء ما كان، وإذا كنا نقول أن الاستصحاب هو عبارة عن هذا المعنى، هو قضية يقينية وقضية مشكوكة، فحينئذٍ بعد ذلك يُشك فلا يعتمد على القضية المشكوكة وإنما يعتمد على القضية المتيقنة، فالقضية المتيقنة تبقى على حالها، والقضية المتيقنة لا يُرفع اليد عنها بقضية مشكوكة.
هذا معنى الاستصحاب، فإذا كان هذا هو معنى الاستصحاب فلا ـجري أصالة العدم الأزلي؛ لأن العدم الأزلي لا يقين فيه ولا متيقن، فلا توجد هناك قضية متيقنة حتى ترفع اليد عنها أو يمنع من الشارع من رفع اليد عن القضية المتيقنة بالقضية المشكوكة.
ولست أدري ماذا كان رأيه في تحقيق معنى الاستصحاب؛ لأن ذلك المطلب في بحث الاستصحاب لم يوضح فيه رأيه الشريف حسبما أتذكر أنا.
فالنتيجة استصحاب العدم الأزلي لا يجري، وحينئذٍ عند الشك في أن هذا مما يصح يعني خليط الثوب مما تصح الصلاة فيه، لا يكون شكاً في صحة الصلاة من حيث كون الحرير ليس محضاً.
محل الكلام ومحل الروايات التي دلت على عدم صحة الصلاة في الحرير قيدت صراحة بأن الحرير يجب أن يكون خالصاً وأما إذا كان خليطاً فلا مانع من الصلاة فأصل الصلاة من حيث الحرير صحيحة؛ لأنه معلوم أن الثوب مخلوط من الحرير وغير الحرير، وأما من غير الحرير فحينئذٍ يُشك في أنه من مأكول اللحم أو غير مأكول، وليست لهذا الخليط حالة سابقة حتى يقال أن الأصل فيه أنه من مأكول اللحم أو الأصل أنه من غير مأكول اللحم، فبما أنه يُشك في أنه من مأكول اللحم أو من غير مأكول اللحم فيجوز.
فالنتيجة الثوب المخلوط من الحرير ومن خليط لا يُعلم أنه من مأكول اللحم أو من غير مأكول اللحم يُحكم بصحة الصلاة فيه، وحكم السيد اليزدي (رض) في محله ولا اشكال فيه ولا ريب.
هذا مجمل الكلام، ويبقى في الكلام مسألة وهي أن في المسألة التي بعدها كلام وهي كونه الثوب مشكوكاً في كونه حريراً أو غير حرير.
فما أفاد السيد الأعظم وحكيم الفقهاء في المقام غير واضح؛ فإن المسألة في اللباس الذي شك في كونه حريراً أو لا، وليس بحثاً عن الثوب المشكوك كما حوّل حكيم الفقهاء (رض) هذه المسألة إليها.
نعم، هو شكٌ في كونه حريراً أو غير حرير، هذا من جهة من هذه الجهة أنه يلحق بمسألة الصلاة في لباس مشكوك، وهذا يترتب عليه أنه إن كان حريراً فالصلاة فاسدة وإن كان غير حرير فالصلاة فيه صحيحة، هذا يترتب على ذلك.
فحوالة السيد الحكيم (رض) إلى البحث عن لباس مشكوك غير واضحة.
فالصحيح أن يقال في دليل حكم اليزدي (رض) بصحة الصلاة، أن هذا الثوب ليست له حالة سابقة بأنه كان حريراً مثلاً والآن أشك في كونه ليس حريراً، أو سابقاً لم يكن حريراً والان أشك أنه حرير، وكان على اليزدي (رض) أن يقيد حكمه بجواز الصلاة بمواضع، وهو أن الصحيح أن الإنسان يجب أن يبحث من أهل الخبرة أن هذا حرير أو ليس حريراً، أما إذا كان شاكاً ولم يستطع رفع هذا الشك فحينئذٍ يتهيأ عنوان مسألته (رض) بأنه مشكوك أنه حرير أو ليس حريراً على النحو الذي ذكره (قده).
فالعبارة غير واضحة على خادمكم.
فالصحيح أن ما حكم به اليزدي وهو صحة الصلاة إذا صلى في لباس يشك أنه حرير أو غير حرير صحيح، وإن كان الاحتياط في ذيل المسألة في محله، هذا تمام الكلام في خدمتكم