47/06/25
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
المورد الثاني الذي ذكره المحقق العراقي قده هو خيار الغبن وخيار تبعض الصفقة ونحو ذلك من الخيارات التي استند الأصحاب لإثباتها الى قاعدة (لا ضرر)، لكن مدركها شيء آخر غير القاعدة، من قبيل التسالم على أنَّ المغبون له خيار الغبن، وأنَّ من تتبعض عليه الصفقة له خيار تبعض الصفقة، والسر فيه هو أنَّ تبعض الصفقة على المشتري ليس فيه ضرراً مالياً عليه، بل غاية الأمر هو انتفاء الغرض والداعي من الصفقة إذا كان الداعي متعلقاً بمجموع الصفقة، ومن الواضح أنَّ تخلف الغرض والداعي أمر شائع ولا يوجب الخيار.
مضافاً الى أنَّ غاية ما تقتضيه القاعدة هو نفي اللزوم، لأنه هو الذي ينشأ منه الضرر، إلا أنهم لم يكتفوا بذلك وإنما أثبتوا الخيار للمشتري الذي يكون قابلاً للإسقاط وللانتقال بالإرث، ومن الواضح أنَّ هذه الأمور لا يمكن استفادتها من قاعدة (لا ضرر) إذا كانت هي المدرك.
ولاحظ عليه السيد الشهيد قده:
أولاً: بما تقدم من أنَّ الضرر لا موجب لتخصيصه بالنقص في المال أو النفس، فإنَّ المراد بالضرر هو مطلق الضرر الأعم من الضرر المالي والضرر العقلائي الثابت في طول الارتكاز العقلائي الحاكم بثبوت حق الخيار في هذه الموارد، فيكون حينئذٍ سلب هذا الحق عنه ومنعه منه ضرراً عليه فيثبت بالقاعدة.
ثانياً: أنَّ ما ذكره من الخصوصيات المترتبة على ثبوت الخيار - من قبول الاسقاط والانتقال بالإرث - يمكن إثباتها بطريق آخر ولا يمنع ذلك من افتراض استنادهم لإثبات أصل الخيار الى القاعدة، مثلاً السقوط بالإسقاط يمكن إثباته باعتبار أنَّ رضا المشتري بالإسقاط يعني رضاه بلزوم المعاملة، وهو يعني أنه مُقدِم على الضرر إذا ترتب على اللزوم، وسيأتي أنَّ القاعدة لا ترفع الضرر الذي يُقدِم عليه المكلف، فلا يكون الالتزام بالسقوط دليلاً على عدم استنادهم الى القاعدة لإثبات الخيار.
وأما الإرث فيكفي في إثباته دعوى أنَّ دليل الإرث يشمل كل ما تركه الميت من مال، وأنَّ هذا الخيار إذا كان قابلاً للإسقاط فيمكن أن يُبذل المال بأزائه، فيُعد مالاً فيشمله دليل الإرث.
المورد الثالث: امتناع الزوج من الانفاق على زوجته، حيث حكم الفقهاء فيه بأنَّ للحاكم أن يطلقها دفعاً للضرر، وسيأتي الحديث عنه مفصلاً في تنبيه خاص.
المورد الرابع: مسألة تعارض الضررين، وسيأتي الحديث عنه مفصلاً في تنبيه خاص أيضاً.
التنبيه الخامس: في شمول قاعدة (لا ضرر) للأضرار الاعتبارية، وفي شمولها للأضرار الاعتبارية المتجددة بعد زمان المعصوم.
تقدم في كلام السيد الشهيد قده أنَّ الأضرار الاعتبارية التي هي في طول ثبوت الارتكاز العقلائي هي أضرار حقيقة فلا ينبغي الشك في شمول الحديث لها، لأنَّ سلب هذا الحق يُعتبر ضرراً حقيقة، وتقدم أنَّ عنوان (الضرر) كما يشمل الوجود الحقيقي للشيء كذلك يشمل الوجود الحقيقي الذي يكون في طول الاعتبار والعناية العرفية.
وعلى كل حال هذه الأضرار يشملها الحديث ويمكن نفيها به، وشمولها إما بالإطلاق اللفظي وإما بالإطلاق المقامي، أما الأول فبعد صدق (الضرر) على الأضرار الاعتبارية حقيقة يمكن التمسك بإطلاق لفظ (الضرر) في القاعدة لإثبات شمولها لمثل هذا الضرر.
وأما الثاني فتصويره يبتني على أنَّ الضرر في الحديث لا يراد به الضرر العرفي وإنما يراد به ما هو ضرر بنظر الشارع، فيقال حيث أننا لا نعلم ما هو الضرر عند الشارع وهل يختص بالضرر الحقيقي الأولي أو يشمل الضرر الذي هو في طول الاعتبار، ولتحديد مراده من لفظه مع كونه في مقام البيان فهذا يعني أنه أوكل ذلك الى العرف، والعرف يرى انطباق عنوان (الضرر) على الضرر الذي هو في طول الاعتبار، وهذه قاعدة طُبقت كثيراً في مجال الاستنباط، وعلى كل حال القاعدة شاملة لهذا النحو من الأضرار.
ثم يقع الكلام في الفرع الثاني وهو أنَّ هذا الشمول هل يختص بالأضرار الحقيقية الارتكازية الموجودة في زمان المعصوم، أو يشمل حتى ما تجدد منها بعد زمانه؟