« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم



الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

الوجوه الثلاثة المتقدمة كانت ناظرة لدفع الاشكال الأول القائل بعدم إمكان الاستدلال بفقرة (لا ضَرر) على منع فضل الماء، لأنه ليس ضررياً، بل هو مجرد عدم إيصال النفع الى الغير.

وأما الإشكال الثاني القائل بأنَّ تطبيق القاعدة على هذا المورد سواء فُسرت بالنهي التكليفي أو بنفي الحكم الضرري فعلى كلا التقديرين يستفاد من تطبيقها النهي عن منع فضل الماء وتحريمه، ولكن لا يمكن الالتزام به، وإنما إلتزموا بالكراهة فقط.

فجوابه: يمكن الالتزام بالحرمة بلا محذور، ولا دليل على عدم الحرمة خصوصاً مع ملاحظة الأدلة الدالة على أنَّ الماء من المشتركات العامة.

وما نقوله لترجيح أحد الوجوه الثلاثة فهو أنَّ فقرة الاستدلال فيها احتمالان:

الأول: أنَّ المنع من الكلأ هو السبب في النهي عن منع فضل الماء، بمعنى أنَّ الشارع نهى عن منع فضل الماء لأنه يستلزم المنع من الكلأ، وهذا معناه عدم النهي عن منع فضل الماء إذا لم يستلزم المنع من الكلأ كما إذا لم يكن حول البئر كَلأ أصلاً.

الثاني: أنَ ّالمنع من الكلأ هو السبب في المنع من فضل الماء، لا أنه سببٌ للنهي عن منع فضل الماء، فالشارع نهى عن منع فضل الماء إذا كان سببه والداعي له هو المنع من الكلأ، وهذا معناه أنَّ النهي عن منع فضل الماء يختص بالحصة الخاصة من منع فضل الماء وهي ما كان سببه والداعي له منع الكلأ، وعليه فلا نهي عن المنع من فضل الماء على اطلاقه أي سواء كان سببه منع الكلأ أو لا، وإنما نهى عنه إذا كان الداعي له منع الكلأ، وحينئذٍ نقول:

الوجه الأول يفترض أنَّ الإضرار الذي طُبقت القاعدة بلحاظه هو الإضرار بمنع الكلأ، لأنَّ الكلأ ليس ملكاً لصاحب الماء، بل هو حق للجميع، فليس له حق المنع عنه، فيكون المنع عنه ولو بالواسطة إضراراً بالغير، وحينئذٍ لا حاجة الى ما ذُكر في الوجهين الآخرين، لأنَّ كُلاً منهما كان ناظراً الى تطبيق القاعدة بلحاظ المنع من فضل الماء، نعم هذا الوجه لا يتلاءم مع النهي عن منع نقع الماء - بناءً على إرادة منع فضل الماء منه - حيث أنَّ المنع هنا ليس سبباً للمنع عن الكلأ.

وأما الوجهان الآخران فمرجعهما الى دعوى ثبوت حق الشرب والاستفادة من الماء، فإذا منع منه فيكون هذا إضراراً، لكن يبقى السؤال أنَّ الأمر إذا كان كذلك فلماذا قال (لا يمنع فضل الماء ليمنع فضل الكلأ) ؟

فإنَّ المنهي عنه إذا كان منع فضل الماء وإن لم يكن سبباً لمنع فضل الكلأ كما هو مقتضى الوجهين السابقين فالمناسب حينئذٍ الاقتصار على منع فضل الماء كما في فقرة (لا يمنع نقع الماء).

والحاصل: إنَّ ظاهر الفقرة أنَّ النهي في الحقيقة وفي اللُّب عن منع فضل الكلأ، وإنما نهى الشارع عن منع فضل الماء لأنه صار سبباً لمنع الكلأ واُريد به ذلك، وأما إذا لم يكن كذلك فالحديث لا يدل على النهي عن منع فضل الماء.

ومنه يظهر أننا لا نحتاج الى ما ذُكر في الوجهين الثاني والثالث لتصحيح تطبيق القاعدة، لأننا طبقناها بلحاظ الإضرار بمنع الكلأ وإنما نهى عن منع فضل الماء لكونه سبباً لذلك، ومن الواضح أنَّ منع الانسان من الاستفادة من الكلأ ضرر، وهذا معناه أنَّ النهي عن منع فضل الماء ليس على إطلاقه، بل هو يختص بما إذا كان يُراد به منع الكلأ، نعم إذا كان على إطلاقه فحينئذٍ نحتاج الى أحد الوجهين السابقين لتوجيه كون المنع من فضل الماء إضراراً بالغير إما بدعوى أنَّ الانتفاع بالماء ونحوه من الثروات الطبيعية العامة من الحقوق الثابتة للإنسان حسب المرتكزات العقلائية فيكون المنع منه إضراراً بالغير، وإما بدعوى أنَّ ملكية الانسان للماء ليست ملكية مطلقة وإنما هي محدودة تجتمع مع ثبوت حق الشرب والوضوء للغير، فإذا منع من ذلك أضرَّ بصاحب الحق.

ومن هنا يبدو أنَّ الوجه الأول هو الأقرب في توجيه تطبيق القاعدة على منع فضل الماء، كما لا يبعد أن يكون هو الظاهر من الحديث.

التنبيه الرابع: تطبيقات القاعدة والإشكال عليها

أثار المحقق العراقي قده إشكالاً يرتبط بتطبيقات قاعدة (لا ضَرر) في كلمات الفقهاء، فقد لاحظ أنَّ هذه التطبيقات لا يصح الاستناد فيها الى القاعدة، وإنما ثبتت أحكامها في مرحلة سابقة، وذكرت القاعدة لمجرد الاستئناس لا للإستدلال بها، ولذا هذه القاعدة ليست قاعدة عامة يمكن استنباط الأحكام منها، وإنما هي إشارة الى أحكام وقواعد أخرى ثابتة في المرتبة السابقة على هذه القاعدة، والدليل عليه هو أننا نرى في هذه التطبيقات أنَّ الحكم فيها إما هو أوسع مما يستفاد من القاعدة أو هو أضيق منه.

ثم ذكر بعض هذه الموارد:

المورد الأول: هو ما ذكره الفقهاء من سقوط وجوب الوضوء إذا كان ضررياً، مستندين الى قاعدة (لا ضَرر) مع أنَّ المدرك لهم هو قاعدة امتناع اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي، وذكر قرائن لإثبات مدعاه، منها لو كان مستندهم قاعدة (لا ضَرر) لما التزموا ببطلان الوضوء فيما لو خالف المكلف وتوضأ، فإنها لا تفيد النهي وإنما تفيد نفي الوجوب، وأما قاعدة امتناع اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي فتفيد النهي عن الوضوء، فيقع باطلاً لأنَّ النهي عن العبادة يقتضي البطلان.

 

logo