47/06/21
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
انتهينا الى أنَّ جواب الاشكال الذي يرد على حديث (لا ضَرر) في مورد الشفعة يدور بين الاتجاه الثاني الذي ذكره السيد المرجع - حفظه الله - والاتجاه الرابع الذي ذكره السيد الشهيد قده، ولا بأس بالأخير في حد نفسه، لكنه يتوقف على إثبات ثبوت حق الشفعة في إرتكازات العقلاء، ولو أمكن تجميع القرائن على أنه في زمان صدور النص كان المرتكز في أذهان العقلاء هو ثبوت هذا الحق وأنَّ منع الشريك منه يستوجب لومهم فهذا يكفي في تتميم هذا الوجه، لأنَّ منعه حينئذٍ من حقه يكون ضرراً عليه فيمكن رفعه بفقرة (لا ضَرر) وبذلك يثبت حق الشفعة.
وأما الاتجاه الثاني فيفترض أن التطبيق على مسألة الشفعة إنما هو بلحاظ فقرة (لا ضِرار)، باعتبار أنَّ هذه الفقرة تدل على تحريم الضِّرار تكليفاً وتشريع ما يمنع منه خارجاً، ومنه تشريع حق الشفعة، لأنَّ مفاده هو رفع الشركة بثبوت حق تملك تمام العين المشتركة للشريك، ومعه ينتفي الإضرار بالغير.
ونفس هذه الفكرة طبقها في التنبيه السابق للجواب عن الاشكال عن عدم صحة تعليل الأمر بقلع النخلة (بلا ضَرر ولا ضِرار) حيث أنَّ التطبيق كان بلحاظ (لا ضِرار) أيضاً غايته أنَّ المعلَّل هناك هو الأمر بقلع النخلة، ولذا فرض أنَّ التسبيب لمنع الاضرار خارجاً يكون بإعطاء صلاحيات إجرائية للحاكم لاتخاذ الوسيلة المناسبة لمنع تحقق الإضرار بالغير، وهو يتحقق بتشريع جواز ورفع حق الابقاء، وأما في المقام فالمعلَّل هو الحكم بالشفعة باعتبار أنَّ ذلك يرفع موضوع الإضرار بالغير وهو الشركة.
والنكتة في ذلك هي أنَّ نفي الضِّرار من قبل الشارع لا يُراد منه مجرد الإخبار لأنه لا يناسب الشارع بما هو شارع أولاً، ولاستلزامه الكذب ثانياً، وعليه يكون نفي الضِّرار ظاهراً في التسبيب الشرعي الى عدم تحقق الضِّرار والإضرار بالغير عن طريق تحريمه تكليفاً وتشريع أحكام تؤدي الى ذلك، مثل تجويز قلع النخلة هناك، وتشريع حق الشفعة في محل الكلام.
ولكن هذه النكتة موجودة في كلتا الفقرتين فكيف أنتجت هناك نفي التسبيب الى الضرر فيكون معنى الحديث في (لا ضَرر) نفي الضرر من قبل الشارع بمعنى أنه لا يُشِّرع أحكاماً ضررية، في حين أنها أنتجت هنا التسبيب الى تشريع ما يؤدي الى عدم تحقق الضِّرار والاضرار خارجاً! ولماذا لا يقال أنَّها تُنتج هنا أيضاً نفي التسبيب الى الإضرار بالغير؟! فمثلاً لا يُشِّرع بيع الشريك حصته المشاعة على غير شريكه لأنه تشريع مضر بالغير، ولا يُشِّرع حفر بالوعة في ملكه مع فرض الإضرار بالجار، ونحو ذلك.
وبناءً عليه لا يمكن استفادة تشريع أحكام تمنع من تحقق الإضرار بالغير خارجاً من قبيل تحريم الضرر والإضرار، وتجويز قلع النخلة وتشريع حق الشفعة، فإنَّ غاية ما يستفاد من الحديث هو نفي تشريع أحكام تُلحق الضرر بالغير وإما الإثبات فلا يكاد يفهم من الحديث.
والحاصل: أنَّ نفي الضَّرر والضِّرار حيث صدرا من الشارع بما هو شارع فإنَّ معناه عرفاً نفي تحقق الضرر والضِّرار من قبله، ومرجعه الى نفي الأحكام المؤدية الى تضرر المكلف، وكذا الأحكام المؤدية الى الإضرار بالغير، فالشارع لا يُشَّرع أحكاماً تكون سبباً في ايقاع المكلف في الضرر، مثل وجوب الوضوء الضرري، ومثل لزوم المعاملة الغبنية، كما أنه لا يُشَّرع أحكاماً تكون سبباً للإضرار بالغير، فكيف نستفيد تشريع أحكام واتخاذ وسائل إجرائية لمنع تحقق الاضرار بالغير خارجاً؟
وأجاب عنه: بأنَّ الفرق بين (لا ضَرر) و (لا ضِرار) يكمن في أنَّ الضرر لا يُقدم عليه الانسان عادة، ومن هنا يكون عدم تحقق الضرر خارجاً مضموناً للشارع، فلا يحتاج لضمان عدم تحقق الإضرار بالنفس الى تشريع أحكام، وهذا بخلاف الإضرار بالغير فإنه قد يصدر من الانسان لدواعٍ مختلفة، فلا يكفي في منع تحققه نفي الأحكام المؤدية الى الإضرار بالغير، كما في نفي جواز الدخول بلا استئذان في قضية سمرة، فإن تحريم الدخول لم ينفع في منع الإضرار بالغير، بل لابد لضمان عدم تحقق الإضرار بالغير من تشريع أحكام وإجراءات قانونية تردع المكلف عن الإضرار بالغير من قبيل قلع النخلة وتشريع حق الشفعة، هذا هو الاتجاه الثاني.
وقد تقدم أنَّ الاتجاه الرابع يتوقف على ثبوت حق الشفعة للشريك في المرتكزات العقلائية والعرفية حتى يكون منعه من هذا الحق ضرراً عليه فيُنفى بـــ (لا ضَرر) ويثبت حق الشفعة ويصح تعليل الحكم بالشفعة بــ (لا ضرر)، ولا نستبعد ثبوت هذا الحق في مرتكزات العقلاء، بل لعله أوسع من ذلك فيثبت حتى للجار فضلاً عن الشريك.