« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم



الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

كان الكلام في الاتجاه الرابع الذي ذكره السيد الشهيد قده للجواب عن الاشكال في مسألة الشفعة، فبعد أن قدَّم مقدمة ذكر نتيجة ذلك وهي أنَّ (الضرر) كما يشمل المصداق الحقيقي له كذلك يشمل الضرر الحقيقي الواقع في طول عناية عرفية، نظير صدق عنوان التعظيم على القيام، وفي محل الكلام الضرر كما يشمل الضرر الحقيقي كذلك يشمل منع الشريك من حق الشفعة لكونه ضرراً في طول عناية العرف الذي يرى ثبوت حق الشفعة للشريك، وبعد افتراض ثبوته يكون منعه منه نقصاً وضرراً يرد عليه في حقوقه الثابتة له.

هذه هي الاتجاهات في الجواب عن اشكال الارتباط بين حديث (لا ضَرر) وبين الحكم بالشفعة.

ولمعرفة ما هو الصحيح منه نقول:

أولاً: الصحيح هو وجود الارتباط بين الجملتين، من دون فرق بين أن يكون الجمع بينهما من قِبل النبي (ص) أو من قِبل الإمام الصادق (ع)، بمعنى أنهما صدرا من النبي في وقتين وجمع الإمام بينهما، فعلى كلا التقديرين الرواية تكون ظاهرة في الارتباط، أما على الأول فواضح، وأما على الثاني فكذلك غاية الأمر هما روايتان مستقلتان جمع الامام بينهما للدلالة على وجود الارتباط بينهما.

وثانياً: ما استدل به الأعلام على نفي الارتباط تقدمت مناقشته، وما ذكره المحقق النائيني من أنَه لو كان (لا ضَرر ولا ضِرار) ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء وليس حديثاً مستقلاً للزم خلو رواية عقبة من الاشارة الى هذا القضاء الأشهر من أقضيته (ص).

فقد أجبنا عنه أولاً: بأنه لم يثبت أنَّ عقبة كان بصدد نقل جميع أقضية الرسول (ص) أو جُلُّها حتى يلزم ما ذُكر.

وثانياً: المناقشة في كونه أشهر أقضية الرسول في ذلك الزمان.

وكذا منع السيد الخوئي من الارتباط الذي استدل عليه بدليلين تقدم الجواب عنهما، ونزيد هنا بأنَّ الرواية إما أن تكون ظاهرة في الارتباط أو لا؟

وعلى الأول لا يصح رفع اليد عن هذا الظهور لأجل الاشكال المذكور إلا إذا عجزنا عن حلَّه إلا برفع اليد عن هذا الظهور، وأما إذا أمكن الجواب عن الاشكال بكلا تقريبيه المتقدمين فلا مبرر لرفع اليد عن هذا الظهور.

وعلى الثاني لا داعي للإستدلال على عدم الارتباط بالأمرين الذين ذكرهما، والذي يظهر من كلامه أنه يعترف بظهور الرواية في الارتباط لولاهما.

ومنه يظهر عدم تمامية الاتجاه الأول في الجواب، وعليه يدور الأمر بين باقي الوجوه.

وأصل الاشكال له تقريبان:

التقريب الأول: أنَّ النسبة بين حق الشفعة وبين تضرر الشريك هي العموم والخصوص من وجه.

التقريب الثاني: أنَّ تطبيق (لا ضَرر) على مسألة الشفعة لا ينتج ثبوت حق الشفعة، فإنَّ الضرر على الشريك ناشئ إما من صحة البيع أو من لزومه، ونفي الأول ينتج الحكم بفساد البيع، ونفي الثاني ينتج الحكم بجواز البيع وثبوت الخيار، وليس هو المقصود بحق الشفعة، وإنما هو حق الشريك في تملك الحصة المشاعة بالثمن المسمى.

أما التقريب الأول فيمكن الجواب عنه بما تقدم من أنَّ الارتباط إنما هو من قبيل الحكمة بالحكم الشرعي، لا من قبيل العلة بالحكم الشرعي، والانفكاك في باب الحكمة لا مانع منه.

فالمهم في الاشكال هو التقريب الثاني، وحينئذٍ نقول: بعد استبعاد الاتجاه الأول يدور الأمر بين الاتجاهات الثلاث، أما الاتجاه الثالث - الذي يُسلم الارتباط، ولكن يعكس الترتيب، أي أنَّ الحكم بالشفعة ثابت بعلته الخاصة وليست هي كبرى (لا ضَرر) وبعد ذلك نفى الضرر بثبوت الشفعة - فلا يبعد أن يكون خلاف الظاهر، لأنَّ الظاهر من هذا الترتيب في الرواية هو بيان دليل الحكم المذكور، وتفريع الحكم بالشفعة على كبرى (لا ضَرر ولا ضِرار)، وأما العكس فبحاجة الى قرينة، ومعه يدور الأمر بين الاتجاهين الثاني والرابع.

وقد يعترض على الاتجاه الرابع بأنَّ ثبوت حق الشفعة ليس أمراً مركوزاً في أذهان العرف والعقلاء، بدليل أنه لو لم يدل عليه دليل فلا نقول به، مع أنه لو صح ما ذُكر لقلنا به حتى مع عدم الدليل، لأنه إذا كان أمراً إرتكازياً لكان كاشفاً عن الإمضاء شرعاً وثبوت هذا الحق.

وفيه: لا ملازمة بين السكوت عن أمر ارتكازي وبين الامضاء حتى يقال أنَّ حق الشفعة لو كان إرتكازياً لكان ثابتاً بالإمضاء الشرعي، وإنما نلتزم بالملازمة بينهما في سيرة العقلاء بشروط مذكورة في محلها.

والحاصل: لا دليل على أنَّ الشارع لابد أن يردع عن الارتكازات العقلائية التي لا يوافق عليها حتى يستكشف من سكوته الامضاء، ومن هنا يحتاج ثبوت حق الشفعة الى دليل، ولا يُكتفى في ثبوته بالارتكازات العقلائية ولا منافاة بين ثبوته بالارتكازات العقلائية وبين احتياج ثبوته الى دليل.

logo