« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

كان الكلام فيما ذكره السيد الخوئي قده من نفي الارتباط بين جملة الحكم بالشفعة وجملة (لا ضَرر ولا ضِرار)، واستدل عليه بدليلين، تقدم الأول منهما وانتهينا الى الثاني، وحاصله:

أنَّ النسبة بين حق الشفعة وبين تضرر الشريك هي العموم من وجه فلا يصح أن يُعلل الحكم بالضرر، لأنَّ الحكم يدور مدار علته وجوداً وعدماً، فلا ارتباط بين الجملتين.

ولاحظنا عليه بإمكان أن يكون (لا ضَرر ولا ضِرار) حكمة لتشريع الشفعة، كاختلاط المياه الذي هو حكمة لتشريع العدة، ولا يشترط في الحكمة أن يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً.

وقد تدفع هذه الملاحظة بأنَّ (لا ضَرر) كما لا يصلح أن يكون علة لتشريع حق الشفعة كذلك لا يصلح أن يكون حكمة لتشريعه، لأنَّ الحكمة وإن كان لا يشترط فيها أن تكون دائمية إلا أنه يعتبر أن تكون غالبية، بأن تكون موجودة في غالب الموارد، وفي المقام الضرر الحاصل من بيع الشريك لحصته نادر بالنسبة الى عدم وجود الضرر، لاسيما إذا فُسِّر الضرر بالنقص في المال أو النفس.

لكنه غير تام، أولاً: لمنع ندرة توجه الضرر الى الشريك من بيع شريكه حصته المشاعة.

وثانياً: يمكن أن يكون الملحوظ في الضرر ليس النقص الوارد على الشريك في المال أو النقص، بل الملحوظ الضرر في نفس الشركة في العين، فإنه يوجب أن يكون الشريك في معرض الضرر، ومثل هذا الضرر ليس نادراً.

ويتبين مما تقدم: أنَّ الترابط بين الجملتين ثابت ظاهراً، سواءً كان الكلام صادراً من النبي (ص) أو من الإمام (ع)، وأما احتمال أن يكون صادراً من الراوي - فلا يكون ظاهراً في الارتباط - فبعيد جداً.

وأما الاشكال على هذا الترابط بأنَّ مفاد (لا ضَرر) هو نفي الحكم الضرري لا إثبات حق الشفعة، فكيف نُثبته إستناداً الى (لا ضَرر)؟

فيمكن دفعه بالالتزام بأنَّ التطبيق على حق الشفعة ليس بفقرة (لا ضَرر) وإنما بفقرة (لا ضِرار)، هذا مضافاً الى إمكان دعوى أنَّ نفس منع الشريك من حق الشفعة أمر ضرري فيرتفع بفقرة (لا ضَرر) ويثبت الحق.

وأما إشكال نسبة العموم من وجه فلا يمنع من الالتزام بكون الضرر حكمة وليس علة.

هذا هو الاتجاه الأول في الجواب.

الاتجاه الثاني ما ذهب إليه بعض الأعلام من أنَّ التطبيق في الحديث إنما هو بلحاظ فقرة (لا ضِرار) فيرتفع الإشكال، وهذا الاتجاه مبني على أنَّ مفاد (لا ضَرر) هو نفي الحكم الضرري، أي نفي التسبيب الى تحمل الضرر، وأنَّ مفاد (لا ضِرار) التسبيب الى نفي الإضرار بما يشمل تحريمه وتشريع ما يمنع منه خارجاً وجعل الأحكام الرافعة لموضوعه، وهو في محل الكلام تشريع حق الشفعة.

وبناءً عليه يمكن افتراض أنَّ تطبيق القاعدة على مسألة الشفعة كان بلحاظ فقرة (لا ضِرار) بهذا المعنى، باعتبار أنَّ نفس الحكم بحق الشفعة مثال للحكم الرافع لموضوع الإضرار بالغير، لأنَّ حق الشفعة يعني حق تملك الحصة المشاعة والمباعة بالثمن المسمى، ومعه يرتفع موضوع الإضرار بالغير - أي الشركة - لأنَّ تمام العين تُصبح ملكاً للشريك بعد الأخذ بالشفعة.

الاتجاه الثالث: أنَّ (لا ضَرر ولا ضِرار) في الحديث تفريع على الحكم بالشفعة وليس علة له، بمعنى أنه حيث ثبت في الشريعة حق الشفعة فلا يترتب ضرر على بيع الشريك، لإمكان فسخه من قِبل الشريك إذا أخذَ بالشفعة.

وهذا الاتجاه يُسقط الحديث عن قابلية الاستدلال به على قاعدة (لا ضَرر).

الاتجاه الرابع: ما ذكره السيد الشهيد قده وحاصله: أنَّ التطبيق بلحاظ فقرة (لا ضَرر) وبنفس مفادها - وهو نفي الحكم الضرري - بدعوى أنَّ منع الشريك من حق الشفعة الثابت له بحسب الارتكاز العقلائي يكون نقصاً وضرراً يرد عليه، بناءً على أنَّ الضرر يراد به النقص مطلقاً ولو بلحاظ الحق، وتوضيح ذلك:

أنَّ وجود الشيء على ثلاثة أنحاء:

    1. أن يكون وجوده وجوداً حقيقياً وثابتاً في نفسه، أي من دون افتراض وجود عناية، كالتعظيم بالسجود.

    2. أن يكون وجوده وجوداً حقيقياً لكن في طول عناية عرفية، كالتعظيم بالقيام فإنَّه يصدق عليه التعظيم حقيقة، لكنه تعظيمٌ في طول الجعل العرفي والعناية العرفية في مجتمع يعتبر القيام من أساليب التعظيم، بخلاف السجود فإنه تعظيم في نفسه وإن لم يكن هناك جعل وعناية عرفية.

    3. أن يكون وجوده وجوداً عنائياً مثل جميع العناوين العنائية المجازية، مثل اطلاق الأسد على الرجل الشجاع.

وعليه إذا ورد لفظ مطلق في كلام الشارع فهو كما يشمل الوجود الحقيقي الأول كذلك يشمل الوجود الحقيقي الذي يكون في طول العناية إذا كانت تلك العناية ثابتة عند المجتمع الذي يتكلم الشارع بلغته، وحينئذٍ يقال: أنَّ عنوان (الضرر) كما يشمل المصداق الحقيقي للضرر كقطع اليد والاعتداء على المال، كذلك يشمل منع الشريك من حق الشفعة، لكونه ضرراً في طول عناية العرف الذي يرى ثبوت حق الشفعة للشريك، وبعد ثبوت هذا الحق له ولو بحسب الارتكازات العرفية يكون منعه منه نقصاً وضرراً يرد عليه في حقوقه الثابتة له عقلائياً، وهو ضرر حقيقي لأنَّ الضرر عبارة عن النقص لو كان في الحقوق.

logo