« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم



الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

اتضح مما تقدم أنَّ الاشكال نشأ من افتراض وجود ارتباط بين جملتي (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ) وبين (لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ) وأنَّ الثانية مسوقة مساق تعليل الحكم بالشفعة، فيقال كيف يكون تعليلاً للحكم بالشفعة فإنَّ لازمه عدم ثبوت الشفعة في موارد عدم الضرر، مع الالتزام بشمول (لا ضَرر) لجميع الموارد التي يكون الفعل مقدمة اعدادية للضرر، وكلا الأمرين لا يمكن الالتزام به!

وهناك اتجاهان في تجاوز هذا الاشكال:

الاتجاه الأول: انكار الارتباط بين الجملتين، فالحكم بالشفعة ليس معلاً بــ (لا ضَرر ولا ضِرار).

ولعله مبني على أنَّ الجمع بين الحديثين هو من الراوي، فلا علاقة لكبرى (لا ضَرر ولا ضِرار) بالحكم بالشفعة، واختلف أصحاب هذا الاتجاه في سبب هذا الانكار، فشيخ الشريعة الأصفهاني أنكر وجود الارتباط هنا وفي قضية سمرة، والسبب فيه هو ما ذكره من أنَّ أقضية النبي (ص) التي رُويت بطرق العامة عن عبادة بن الصامت لم يُذكر فيها كبرى (لا ضَرر) في ذيل حديث الشفعة، ولا في ذيل حديث منع فضل الماء، وإنما ذكرت كقضاء مستقل، وحيث أنَّ عقبة بن خالد قد روى أقضية النبي (ص) فالظاهر أنها كانت مجتمعة في رواية عقبة، لكن الاصحاب فرَّقوها على الأبواب المناسبة، ويفهم من هذا أنَّ الجمع بين حديث الشفعة وحديث (لا ضَرر) في رواية عقبة بن خالد إنما هو من قِبل عقبة نفسه، وأنَّ كبرى (لا ضَرر) لم تكن ذيلاً لحديث الشفعة في مرحلة متقدمة على نقله، وتقدم الجواب عنه.

وكذا انكر المحقق النائيني الارتباط بين الجملتين، واستدل على ذلك بأنَّ (لا ضَرر) إذا كانت ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء في رواية عقبة لزم منه خلو رواياته الواردة في أقضية النبي (ص) من القضاء بــ (لا ضَرر) كقضاء مستقل، والحال أنه من أشهر أقضيته (ص)، فكيف يُفترض خلو روايات عقبة منه؟!

وتقدم الجواب عنه بأنه مبني على افتراض أنَّ عقبة قد روى جميع أقضية النبي (ص) أو جُلُّها، والأمر ليس كذلك، وإنما نقل بعض أقضيته، مضافاً الى أنَّ دعوى كون (لا ضَرر) من أشهر أقضيته غير واضحة.

وكذا أنكر الارتباط السيد الخوئي، واستدل عليه أولاً: بأنَّ حديث (لا ضَرر) إنما يمكن اعتباره ذيلاً لحديث الشفعة إذا كان مصححاً لجعل هذا الحكم الشرعي، أي إذا كان يصح الاستناد إليه في إثبات حق الشفعة، والأمر ليس كذلك لأنَّ مفاد (لا ضَرر) هو نفي الحكم الضرري، والضرر في مورد الشفعة إنما يأتي من قِبل بيع الشريك حصته المشاعة، فلو كان ذلك مورداً لقاعدة (لا ضَرر) لزم الحكم ببطلان البيع، وإذا كان الضرر ناشئاً من لزوم البيع لزم الحكم بنفي اللزوم وثبوت الخيار، وهذا غير ثابت في الشفعة، وإنما يثبت للشريك حق تملك المبيع بالثمن المجعول في العقد.

وثانياً: أنَّ النسبة بين ثبوت حق الشفعة وبين تضرر الشريك هي العموم من وجه كما تقدم، فلا يصح تطبيق كبرى (لا ضَرر) على مسألة الشفعة.

ويلاحظ على ما ذكره أولاً: بأنه مبني على أن يكون التطبيق بلحاظ فقرة (لا ضَرر)، وأما إذا افترضنا أنَّ التطبيق بلحاظ فقرة (لا ضِرار) - كما سياتي - فلا يرد ما ذكره.

مضافاً الى إمكان تطبيق القاعدة بلحاظ فقرة (لا ضَرر) وبمفاد نفي الحكم الضرري على مسألة الشفعة باعتبار أنَّ نفس منع الشريك من حق الشفعة ضرري حقيقة بالنسبة إليه.

ومضافاً الى أنَّ ما ذكره لا يخلو من اشكال منهجي إذ لا معنى لاختيار معنى معين لجملة (لا ضَرر) في مرحلة سابقة ثم الاعتراض على ظهور الجملة في الارتباط بأنه لا ينسجم مع المعنى الذي افترضناه في جملة (لا ضَرر)! فإنَّ هذا يعني بحسب الحقيقة أنَّ اختيار هذا المعنى لم يكن بعد ملاحظة جميع القرائن والملابسات المحيطة بالرواية، وإلا فليجعل نفس هذا الارتباط الذي تكون الرواية ظاهرة فيه قرينة على إرادة معنى آخر من (لا ضَرر) ينسجم مع هذا الارتباط.

ويلاحظ على ما ذكره ثانياً: بأنه مبني على افتراض أنَّ الترابط بين الجملتين بلحاظ كون (لا ضَرر) علة لجعل حق الشفعة، فيقال حينئذٍ أنَّ الأمر ليس كذلك لكون النسبة بينهما هي العموم من وجه، وأما إذا افترضنا كون الارتباط بلحاظ كون (لا ضَرر) حكمة لتشريع حق الشفعة فلا يكون ما ذكره اشكالاً على الترابط لوضوح أنَّ الحكمة مع الحكم يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر، ومن الواضح أنَّ كون (لا ضَرر) حكمة لتشريع حق الشفعة لا يضر بكون (لا ضَرر) قاعدة عامة يمكن الاستناد إليها في موارد أخرى، إذ لا مانع من أن يكون بعض القواعد العامة حكمة لتشريع حكم خاص.

logo