« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

خلاصة ما تقدم في الوجه الرابع:

أنَّ دفع الإشكال على أساس تطبيق القاعدة على المورد بلحاظ فقرة (لا ضِرار) يتوقف على افتراض أنَّ ما يستفاد من (لا ضِرار) غير ما يستفاد من (لا ضَرَر) وإلا لزم محذور التكرار، أو قل ما يُنفى بأحدهما غير ما يُنفى بالآخر، وذكر أنَّ مفاد (لا ضِرار) أُخذ فيه التحريم، وأنكرنا ذلك وقلنا بكفاية أخذ تعمد ايقاع الضرر بالغير، وهو ما تؤيده موارد الاستعمال، وحيث أنَّ تطبيق (لا ضَرر) على جواز الدخول بلا استئذان الذي ينتج حرمة الدخول بلا استئذان لا ينتهي الى نفي الاضرار بالأنصاري لأنه افترض مسبقاً عدم المبالاة بالحرمة فهذا يجعل نفي الضِّرار في الحديث ظاهراً في نفي الحكم الذي يتذرع به الشخص للإضرار، وإن لم يكن ذلك الحكم ضررياً في نفسه.

وبعبارة أخرى: إنَّ الشخص إذا كان لا يبالي بحرمة الإضرار بالغير - مثل سمرة فإنه أصرَّ على الدخول بلا استئذان مع حرمته المستفادة من (لا ضَرر) مع تذرعه بالحق الثابت له - فحينئذٍ يكون نفي هذا الحق بفقرة (لا ضِرار).

هذا ما يرتبط بالتنبيه الأول، وهو بيان كيفية تطبيق القاعدة على قضية سمرة بن جندب.

التنبيه الثاني: في توجيه تطبيق القاعدة على مسألة الشفعة الواردة في بعض النصوص، منها ما ورد في الكافي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ، وقَالَ: لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ، وَقَالَ: إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ.)[1]

والكلام يقع في توجيه تطبيق القاعدة على مسألة الشفعة، والإشكال ينشأ من أنَّ بيع الشريك لحصته المشاعة ليس ضررياً دائماً، كما لو باعها على من هو أفضل لشريكه منه، ولو فرض كونه ضررياً فليست ضرريته إلا بمعنى كونه مقدمة إعدادية للضرر وليس سبباً توليدياً له، بمعنى أنه ليس أمراً قهرياً وإنما واقع هو بالإرادة والاختيار، ويترتب على ذلك:

أولاً: عدم ثبوت الشفعة في مورد عدم ترتب الضرر، ولا يمكن الالتزام بذلك.

ثانياً: يلزم جريان القاعدة في كل مورد يترتب عليه الضرر ولو كان بنحو المقدمة الاعدادية، كما لو زوَّج ابنته من شخص، أو باع داره، وترتب على ذلك الضرر، فإنه يلزم تطبيقها على عقد النكاح وعلى عقد البيع والحكم بانتفائهما، ولا يمكن الالتزام بذلك أيضاً.

والتعليق عليه:

أولاً: إنَّ حديث الشفعة الذي ورد فيه تطبيق القاعدة وإن رواه المشايخ الثلاثة إلا أنه غير تام سنداً.

وثانياً: من الواضح أنَّ الاشكال يفترض وجود نوع من الارتباط بين قوله: (لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ) وبين قوله: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ)، وهو مبني على أن يكون فاعل (قال) في جملة: (وقَالَ: لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ) هو النبي (ص)، فتكون الجملة عطفاً على قوله: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ)، فيكون المفاد أنَّ الإمام الصادق (ع) يحدثنا عن أمرين: قضاء رسول الله بالشفعة، وقوله (لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ).

أو نقول أنَّ فاعل (قال) هو الإمام الصادق عليه السلام، ويكون عطفاً على قوله: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ)، فعلى هذا الاحتمال يكون ظاهراً في الارتباط بين الجملتين، فالجمع بين الجملتين سواءً كان من النبي (ص) أو من الإمام (ع) يكون ظاهراً في أنَّ (لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ) مسوق مساق التعليل وبيان حكمة تشريع الشفعة، والاشكال يقول ما وجه تعليل الحكم بالشفعة بقاعدة (لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ)؟

وأما إذا قلنا أنَّ فاعل (قال) هو الراوي فلا نستظهر الارتباط بين الجملتين، ويكون المفاد هو أنَّ الراوي نقل عن الامام الصادق (ع) قضاء رسول الله (ص) بالشفعة بين الشركاء، ثم قال الراوي نفسه (لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ) وجمع بين النقلين، فيكون راوياً لروايتين هما القضاء بالشفعة وحديث (لا ضرر)، وحينئذٍ لا يرد هذا الاشكال.

لكن هذا الاحتمال غير وارد أصلاً، وذلك لأنَّ الراوي نفسه ذكر بعد ذلك حديث منع فضل الماء، وذكر في ذيله حديث (لا ضَرر ولا ضِرار) ولو كان حديثاً مستقلاً عن حديثي الشفعة ومنع فضل الماء لما ذكره مرتين! فيُفهم من التكرار أنه ليس حديثاً مستقلاً، وإنما له ارتباط بمسألة القضاء بالشفعة ومسألة منع فضل الماء، فيبقى الارتباط ظاهراً ويلزم الاشكال السابق.


logo