« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم



الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

الوجه الرابع هو ما ذكره السيد الشهيد قده، وهو أنَّ التطبيق بلحاظ فقرة (لا ضِرار) كالوجه الثالث، وإنما الاختلاف في طريقة بيان ذلك، فبعد أن أيَّد أنَّ التعليل إنما هو بفقرة (لا ضرار) ذكر بأنَّ الوارد في بعض الروايات هو قوله (ص): (إنك رجل مضار)، وقوله: (ما أراك يا سمرة إلا مضاراً)، ثم يوضح ذلك:

بأنَّ الحكم الشرعي تارة يكون بنفسه ضررياً من قبيل لزوم البيع الغبني، وأخرى يكون ضررياً لكن بتوسط ارادة مقهورة للحكم الشرعي كما في وجوب الوضوء، وثالثة يكون الحكم ضررياً بتوسط إرادة غير مقهورة لشيء، كما في محل الكلام، فإنَّ جواز الدخول الى حائط الانصاري بلا استئذان يكون بتوسط إرادة غير مقهورة، ثم يقول: إنَّ فقرة (لا ضرر) تنفي هذه الأقسام الثلاثة، وإذا نفت جواز الدخول ثبت التحريم، لكن نفي الجواز لا يكفي لمنع سمرة من الإضرار بالأنصاري، وهنا يأتي دور فقرة (لا ضِرار) لنفي ما يوجب امكانية الإضرار المحرم بالأنصاري، فإنَّ سمرة يتمسك بحقه في الدخول الى عذقه بنحو يضر بالأنصاري ولو كان محرماً، وفقرة (لا ضرار) هي نفي للضرر المحرم بلحاظ ما في الشريعة، فإذا انتفى سبب الضرر - وهو حق بقاء العذق - جاز القلع، فيكون الأمر بالقلع مبرراً.

وبعبارة أخرى: نفي حق الدخول بلا استئذان بفقرة (لا ضرر) لا يكفي لمنع الإضرار بالأنصاري إذا كان سمرة مصراً على عصيان هذا التحريم، وحينئذٍ علاج هذا الأمر ومنع الإضرار بالأنصاري يكون بقلع النخلة، وهذا لا يثبت بفقرة (لا ضرر) لأنَّ غاية ما يثبت بها هو حرمة الدخول بلا استئذان، وقد عرفت أنَّه لا يكفي لمنع الاضرار بالأنصاري، وهنا تصل النوبة الى فقرة (لا ضِرار) فإنَّ الضِّرار أُخذ في حاق مفاده معنى الحرمة فــ (لا ضرار) نفي للضرر الحرام، أي نفي سبب وقوعه، وهو حق إبقاء النخلة، إذن (لا ضرار) ليس نفياً للضرر بلحاظ ما في الشريعة وإنما هو نفي للضرر الحرام بلحاظ ما في الشريعة.

أقول: من الواضح أنَّ السيد الشهيد قده يدعي أنه أُخذ في مفاد (الضِّرار) معنى الحرمة حتى يُستفاد منه معنى آخر غير المعنى المستفاد من (لا ضرر)، وإلا لزم محذور التكرار، وحينئذٍ يقال: أنَّ (لا ضرر) نفي للحكم الذي يؤدي الى الضرر، فإذا كان الحكم هو جواز الدخول بلا استئذان فــ (لا ضرر) ينفيه حيث يكون ضررياً، وأما (لا ضرار) فحيث أنَّ الحرمة أُخذت في مفهومه فنفيه يكون نفياً للضرر المحرم، أي نفي سبب الإضرار المحرم على الأنصاري وهو حق الابقاء.

والذي يمكن أن يقال هو أنَّ الضِّرار أُخذ فيه التعمد والقصد، فالضِّرار تعمد إيقاع الضرر بالغير، وذكر بعض المحققين روايتين لتأييد ذلك:

الأولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه ‌السلام (أنه سئل عن رجلين، كان بينهما عبدٌ، فاعتَق أحدهما نصيبه، فقال: إن كان مضاراً كُلِّف أن يعتقه كلّه، وإلا استسعى العبد في النصف الاخر.)[1]

المفهوم من قوله (إن كان مضاراً) أنه يقصد من عتق نصف العبد المشاع الإضرار بصاحبه، ولذا ألزمه بعتق العبد كله ودفع قيمة النصف لشريكه.

الثانية: صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه ‌السلام: (رجل ورث غلاماً، وله فيه شركاء، فاعتق لوجه الله نصيبه، فقال: اذا اعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة، واذا اعتق لوجه الله كان الغلام قد أُعتق من حصة من اَعتق، ويستعملونه على قدر ما اُعتق منه له ولهم، فإن كان نصفه عمل لهم يوماً وله يوم، وإن اعتق الشريك مضاراً وهو معسر فلا عتق له، لأنه أراد أن يفسد على القوم ويرجع القوم على حصصهم.)[2]

والحكم في هاتين الروايتين ليس ضررياً لأنه إذا اعتق نصفه فالعبد إما يسعى في النصف الآخر وإما أن يستعملونه بنسبة ما اعتق منه، والشاهد هنا في استعمال (مُضار) في التعمد الإضرار بالغير في الروايتين، وهذا شاهد على ما تقدم.

وعلى كل حال هذه الأخبار تشهد بأنَّ المراد من (الضِّرار) تعمد الإضرار وقصده، وعرفت بأنَّ هذا يكون في الأحكام غير الضررية بنفسها، وإنما يريد الشخص الاستفادة منها للإضرار بالغير كما في محل الكلام، وحينئذٍ ففقرة (لا ضرار) حيث أنها تنفي الضرار والمفروض أن نفي جواز الدخول بلا استئذان لا يؤدي الى نفي الضرر والاضرار بالأنصاري، فيكون نفي الضِّرار ظاهراً في نفي سببه، وهو حق ابقاء النخلة في حائط الأنصاري، فيرفع هذا الحكم الذي اتخذ ذريعة للإضرار بالغير.

فالحكم إذا كان ضررياً ففقرة (لا ضرر) تتكفل بنفيه، وقد يكون ضررياً ويقصد به الإضرار بالغير فتنطبق عليه كلتا الفقرتين، وقد لا يكون ضررياً أصلاً لكنه يُتخذ ذريعة للإضرار بالغير كما في محل الكلام ففقرة (لا ضرار) تتكفل بنفي سببه.

 


logo