« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم



الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

ذكر المحقق النائيني قده في بيانه الثاني أنَّ الضرر في الحقيقة نشأ من استحقاق سمرة لإبقاء العذق في حائط الإنصاري، لأنَّ جواز الدخول بلا استئذان من فروع هذا لاستحقاق، والقاعدة ترفعه لكونه مضراً بالأنصاري، فيجوز القلع.

ثم يقول: وتفرُّع جواز الدخول بلا استئذان على استحقاق إبقاء العذق في حائط الانصاري من قبيل تفرُّع وجوب المقدمة على وجوب ذيها، ولا شبهة في أنه لو ارتفع وجوب المقدمة - لكونه ضررياً - فيرتفع وجوب ذيها كذلك، فإذا ارتفع جواز الدخول بلا استئذان لكونه ضررياً ارتفع استحقاق إبقاء العذق، فيجوز القلع.

ولوحظ عليه:

أولاً: بأنَّ كون المعلول ضررياً لا يوجب ارتفاع علته وإنما يوجب ارتفاعه نفسه، مثلاً إذا كانت إطاعة الزوج في عمل من الأعمال ضرراً على الزوجة فإنما يرتفع به هو وجوب الإطاعة في ذلك العمل، وأما الزوجية التي هي العلة لوجوب الإطاعة فلا مقتضي لارتفاعها، وكذا إذا اضطر شخص الى شرب النجس فإنَّ المرتفع بالاضطرار هو الحرمة دون النجاسة التي هي العلة في الحرمة، وأما قياس المقام بما إذا كانت المقدمة ضررية فهو مع الفارق لأنَّ كون المقدمة ضررية يستلزم كون ذي المقدمة ضررياً، لأنَّ الاتيان بذي المقدمة بحسب الفرض يتوقف على المقدمة، ويكون ارتفاع وجوب ذا المقدمة لأجل كون نفسه ضررياً لا لأجل كون مقدمته ضررية.

وثانياً: بأننا لو سلّمنا أنَّ إبقاء العذق في حائط الانصاري ضرري لأنه علة العلل فغاية ما يقتضيه ذلك هو ارتفاع حق الإبقاء دون ارتفاع حرمة التصرف في مال الغير، إذ يمكن الالتزام بارتفاع الحق المذكور مع الالتزام بالحرمة وعدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذن الحاكم الشرعي، عندما ترفع القضية إليه، فيأمره الحاكم بقلع عذقه بنفسه، فإذا امتنع يخوِّل غيره من باب ولايته على الممتنع، وهذا لا يظهر من الرواية، بل الظاهر منها هو أنه (ص) أمرَ الأنصاري بالقلع بمجرد إباء سمرة عن المعاوضة، وعلله بلا ضرر ولا ضرار، ولم يأمر سمرة بذلك، وهذا لا ينطبق مع تطبيق (لا ضرر) في نفي حق الإبقاء إذ ليس للأنصاري التصرف في مال سمرة لمجرد ارتفاع حق الإبقاء.

وقد تدفع هذه الملاحظة بأنَّ الأنصاري وإن لم يكن له التصرف بالقلع بمجرد ارتفاع حق الإبقاء لكن هذا صار جائزاً للأنصاري بعد أن أمرَه النبي (ص) بالقلع، ولعل امتناع سمرة عن القلع بنفسه كان معلوماً من حاله كما يظهر من الروايات.

والحاصل: أنه بعد ارتفاع حق الإبقاء لابد من قلع العذق، لوضوح أنَّ الأنصاري لا يرضى ببقائه في أرضه، ولما كان من المعلوم من حال سمرة الامتناع عن القلع أُوكل الأمر الى الأنصاري من النبي (ص) باعتباره ولي الممتنع.

الوجه الثالث: هو أن يقال الأمر بالقلع عُلل بفقرة (لا ضرار) لا بفقرة (لا ضرر)، وتوضيحه هو:

أنَّ (الضرار) عبارة عن الإضرار المتكرر أو المستمر، وحيث أنَّ الإضرار بالغير عمل يمارسه الانسان بطبعه لدواعي شهوية أو غضبية فالنهي عنه ظاهر في النهي التحريمي زجراً عن هذا العمل، فإذا نُفي الإضرار كما في المقام فإنه يدل على التسبيب الى عدم تحقق هذا العمل، وذلك من خلال أمرين: الأول جعل الحكم التكليفي الزاجر عن العمل، الثاني تشريع اتخاذ وسائل مانعة من تحققه خارجاً، أي أنَّ فقرة (لا ضرار) مفادها التسبيب الى عدم الاضرار وهو ينحل الى أمرين: جعل الإضرار محرماً، وتشريع الوسائل الإجرائية لمنع تحقق الاضرار خارجاً، وهذا يمكن أن يُبرر الأمر بالقلع باعتباره الوسيلة الاجرائية المتاحة لمنع الاضرار بالأنصاري منعاً عملياً.

 

logo