« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

كان الكلام في الإشكال الثاني، وانتهينا الى الجواب الثاني، وهو ما ورد في كلمات المحقق النائيني قده وحاصله:

أنَّ القاعدة طُبقت بلحاظ الحكم الأول - أي المنع من الدخول بلا استئذان - لا بلحاظ الأمر بقلع الشجرة، فإنَّ الأول هو الذي فيه اضرار بالأنصاري دون الثاني، وعليه لا أصل لهذا للإشكال.

فإن قيل: ما معنى الأمر بقلع الشجرة؟

قلنا: إنه أمر مستقل صدر من الرسول (ص) من باب الولاية تأديباً لسمرة، وليس معلَّلاً بالقاعدة.

ويلاحظ عليه: بأنه خلاف ظاهر الروايات، فإنّها ظاهرة في أنَّ المعلَّل بالقاعدة هو الأمر بالقلع، بل لعلها صريحة في ذلك، ففي معتبرة ابن بكير: (.. فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - لِلْأَنْصَارِيِّ اِذْهَبْ فَاقْلَعْهَا وَاِرْمِ بِهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَار)[1] .

وكذا روايته بحسب نقل الشيخ الصدوق: (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) الْأَنْصَارِيَّ أَنْ يَقْلَعَ النَّخْلَةَ فَيُلْقِيَهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ)[2]

وكذا رواية بن مسكان، وإن كانت غير تامة سنداً:

(فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِنَّكَ رَجُلٌ مُضَارٌّ وَلاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ عَلَى مُؤْمِنٍ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَقُلِعَتْ (وَرُمِيَ) بِهَا إِلَيْهِ ..)[3]

ولا يبعد أن تكون القاعدة ذُكرت تمهيداً وتوطئة لما ذُكر بعدها، فتكون ظاهرة في التعليل أيضاً.

ومنه يظهر منع دعوى أنَّ قوله (ص) (لا ضرر ولا ضرار) تعليل لوجوب الاستئذان عند الدخول باعتباره لازماً لحرمة الدخول بلا استئذان، لأنه مخالف لظاهر الروايات الواردة في القضية، بل لا ذكر لهذا الحكم في الروايات.

فهذا الجواب لا يكون تاماً أيضاً.

الجواب الثالث: وهو الالتزام بصحة تعليل الأمر بالقلع بــــ (لا ضرر) وذلك لوجوه:

الوجه الأول: ما تقدم في الوجه الرابع من أنَّ أصل الاشكال مبني على تفسير الحديث بما ذكروه من استفادة الحرمة التكليفية أو نفي الحكم الضرري، وأما بناءً على تفسيره بالنهي السلطاني الولائي فلا موقع لهذا الاشكال أصلاً، إذ يكون مدرك الأمر بالقلع هو النهي السلطاني المستفاد من قوله (لا ضرر ولا ضرار) فيصح جعله تعليلاً للأمر بالقلع.

ويلاحظ عليه: بما تقدم من أنه لا فرق بين كون النهي سلطانياً وبين كونه إلهياً في عدم صحة وقوعه تعليلاً للأمر بالقلع، لأنَّ مفاد النهي هو حرمة الاضرار بالغير على كلا التقديرين، فكيف ينتج جواز الاضرار بالغير!

وعلى فرض صحة هذا التعليل في النهي السلطاني فيصح في النهي الالهي أيضاً.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقق النائيني في رسالته في قاعدة لا ضرر، وحاصله:

يمكن فرض كون نفي الضرر علة للأمر بالقلع بتقريب أنَّ حديث (لا ضرر) حاكم على قاعدة السلطنة التي يتفرع عليها احترام مال المسلم، الذي هو عبارة عن سلطنته على منع غيره من التصرف في ماله، فإذا تكفل الحديث نفي السلطنة باعتبار الحكومة فقد جاز قلع النخلة لعدم احترام مال سمرة وسقوط سلطنته على منع غيره من هذا التصرف في ماله، ومعه يجوز تعليل القلع بالقاعدة.

وأورد على نفسه: بأنَّ قاعدة السلطنة مركبة من أمر وجودي وأمر عدمي، الأول هو كون المالك مسلطاً على التصرف في ماله متى شاء وكيف ما شاء، والثاني هو سلطنته على منع غيره من التصرف في ماله، والضرر إنما يرد على الأنصاري من السلطنة الأولى لا من الثانية، لوضوح أنَّ الأنصاري يتضرر من دخول سمرة الى عذقه متى شاء وبلا استئذان وكونه مسلطاً على ذلك، ولا يتضرر من منعه عن قلع النخلة وتسلط سمرة على هذا المنع، فالحديث يرفع الأول لأنَّ فيه الاضرار بالأنصاري دون الثاني، فيبقى سمرة مسلطاً على منع التصرف في ماله - أي منع قلع النخلة - فلا وجه لسقوط احترام ماله رأساً!

وأجاب عنه: بأنَّ السلطنة وإن انحلت الى جزءين إلا أنَّ هذا تحليل عقلي، لا أنها مركبة من حكمين، فلا معنى لأنَّ تكون قاعدة (لا ضرر) حاكمة على أحد الجزءين دون الآخر.

ثم ذكر بياناً آخر يصلح أن يكون وجهاً آخر لحل الاشكال، وحاصله: دعوى أنَّ الضرر في الحقيقة نشأ من استحقاق سمرة لإبقاء العذق في حائط الانصاري، لأنَّ جواز الدخول بلا استئذان من فروع هذا الاستحقاق، والقاعدة ترفع هذا الاستحقاق لكونه مضراً بالأنصاري، فيجوز القلع.

 


logo