47/06/09
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
تبين مما تقدم أنَّ جميع الوجوه المذكورة لا يخلو كل واحد منها من مخالفة للظهور، وأنَّ أقلها مخالفة هو الوجه الثالث الذي ذكره السيد الشهيد قده.
الملاحظة على الوجه الرابع:
وأما الوجه الرابع الذي ذكره السيد الخميني قده فيلاحظ على الأدلة التي ذكرها بأمور، أما الأدلة فهي:
الأول: ما ذكره من أنَّ الروايات الواردة من طرق العامة والتي ورد فيها التعبير بــ (قضى) المناسب فيها أن لا يكون المقضي به حكماً إلهياً، ثم نفى الحكم القضائي لأنَّ الحديث يؤسس لقضية عامة، فيتعين أن يكون حكماً سلطانياً.
ويلاحظ عليه: بأنَّ هذه الروايات غير تامة سنداً، ومنها رواية عبادة بن الصامت، على أنَّ هذا التعبير ورد في الأحكام الإلهية أيضاً من قبيل (قضى في الركاز الخمس).
الثاني: ما ذكره من أنَّ تطبيق الكبرى على الأمر بقطع النخلة وتعليل الصغرى بها يناسب أن تكون الكبرى من الأحكام السلطانية أيضاً، فيثبت أنَّ (لا ضرر ولا ضرار) من الأحكام السلطانية.
ويلاحظ عليه: بأنَّ تعليل الحكم القضائي بحكم آخر لا يكون دليلاً على كون الثاني حكماً سلطانياً فإن القضاء يعلل أيضاً بأحكام إلهية، بل الغالب استناد الأحكام القضائية الى الأحكام الإلهية.
الثالث: ذكر أنه لا توجد في قضية سمرة بن جندب شبهة حكمية ولا موضوعية حتى يكون (لا ضرر) بياناً إلهياً لحلها.
ويلاحظ عليه: بأنه يمكن افتراض الشبهة الحكمية في أصل القضية، لإمكان استفادة أنَّ النزاع في الحكم، أي في حق الدخول بلا استئذان، فسمرة كان يرى ثبوت هذا الحق له، في حين أنَّ الانصاري كان لا يرى ذلك، وهذا ما يمكن استظهاره من بعض الروايات الواردة في هذه القضية، من قبيل قول سمرة (لا افعل هو مالي ادخل عليه بلا استئذان)، وحينئذ يمكن القول بأن النبي (ص) حكم حكماً إلهياً لحل هذه الشبهة الحكمية، فقال: (لا ضرر ولا ضرار)، وهذا الحكم إما هو حرمة الاضرار بناء على ما ذكره شيخ الشريعة الاصفهاني، أو هو نفي حق الدخول إذا كان يلزم منه الاضرار بالغير، بناءً على الوجه الثالث.
ويضاف الى كل هذا ما تقدمت الاشارة إليه من أنَّ كون النهي حكماً سلطانياً لا يبرر الأمر بقلع النخلة في مقابل النهي الإلهي، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة، فإنَّ النهي الإلهي إذا كان لا يبرر الأمر بقلع النخلة لكونه إضراراً بالغير فكذلك النهي السلطاني.
والحاصل: إنَّ الحديث إن كان منطبقاً على المورد فهو ينطبق عليه سواء كان مفاده النهي الإلهي أو السلطاني، وإن كان لا ينطبق عليه فهو لا ينطبق عليه كذلك، واختلاف مصدر النهي في كونه هو الله سبحانه وتعالى، أو الرسول (ص) لا يكون مؤثراً في الانطباق وعدمه.
هذا ما يمكن أن نُعلِّق به على هذه الوجوه التي قيلت في تفسير الجملة التركيبية لحديث (لا ضرر ولا ضرار).
تنبيهات القاعدة:
التنبيه الأول: في الاشكالات التي تورد على قضية سمرة بن جندب:
الاشكال الأول: لماذا منع الرسول (ص) سمرة من الدخول دون استئذان مع ثبوت حق الاستطراق له؟
يظهر من الشيخ الصدوق في الفقيه أنه أجاب عن هذا الاشكال بنفي أصل ثبوت الحق لسمرة، فيكون دخوله اضراراً محضاً، وذلك لأنه يملك نخلة ولا يملك الممر إليها.
وهذا الكلام بظاهره لا يمكن قبوله، لأنَّ الظاهر هو ثبوت حق الاستطراق له، ولم يمنعه الرسول من حقه وإنما منعه من الدخول من دون استئذان، وهذا يمكن تعليله بالقاعدة، لأنَّ هذا الحق مع عدم الاستئذان يكون ضررياً بالنسبة الى الأنصاري فيكون منفياً بالقاعدة.
الاشكال الثاني: كيف يمكن توجيه ما ورد في الروايات المعتبرة من تعليل الأمر بقلع النخلة بــ (لا ضرر ولا ضرار) مع أنَّ هذه القاعدة لا تبرر قلع النخلة، لأنَّ مفادها إن كان هو مجرد تحريم الاضرار بالغير فهذا إنما يقتضي تحريم دخوله من دون استئذان، لأنه اضرار بالأنصاري، ولا يقتضي الأمر بقلع النخلة مع كونه اضراراً بالغير، وإن كان هو نفي الحكم الضرري فحينئذٍ نقول أنَّ حق بقاء النخلة في حائط الانصاري ليس فيه أي ضرر على الأنصاري حتى يرفع بالقاعدة، ويكون مجوزاً لقلع النخلة، وإنما الحكم الضرري جواز الدخول بلا استئذان فيكون منفياً بالقاعدة!
وأجيب عنه بوجوه:
الأول: ما ذكره الشيخ الأنصاري بعد الاعتراف بورود الاشكال، حيث ذكر أنَّ الحديث وإن صعُب علينا كيفية انطباقه على هذا المورد، لكن ذلك لا يمنع من التمسك بأصل الحديث في اثبات القاعدة، وتوضيح ذلك، هناك أمران:
الأول: أنَّ النكتة في انطباق الحديث على المورد مجهول لدينا، لأنا نعرف اجمالاً وجودها في هذا المورد وطُبقت القاعدة بلحاظها، لكنها لم تتضح لنا.
الثاني: أصل قاعدة (لا ضرر) وهذا يمكن الأخذ به ولا يؤثر فيه عدم معرفة كيفية انطباق القاعدة على ذلك المورد.
وهذا الكلام مرجعه الى أنَّ الاجمال في كيفية التطبيق لا يوجب اجمال الحديث بلحاظ أصل القاعدة، ويظهر منه الاعتراف بعدم إمكان توجيه تعليل الأمر بقلع النخلة بحديث (لا ضرر ولا ضرار).
وعلى كل حال فقد أجاب الأعلام عنه بأنَّ ذلك إنما يصح إذا كان التطبيق على المورد وارداً في كلام آخر، وأما إذا لم يكن كذلك فإنَّ الإجمال في تطبيق القاعدة على المورد يسري الى نفس القاعدة، لإحتمال أن يكون فهم المورد ونكتة التطبيق موجباً لتغيير بعض الظهورات الموجودة في نفس القاعدة.