« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

بعد أن ذكرنا الوجوه الأربعة المحتملة في الحديث، ذكرنا وجهين آخرين الأول للسيد الروحاني قده، والثاني للسيد المرجع حفظه الله تعالى، أما الوجه الثالث فللسيد الشهيد قده، وحاصله:

أنَّ مفاد (لا ضرر) هو نفي الضرر الخارجي المقيد بنشوئه من الشريعة، فيكون الضرر المنفي هو الوجود الحقيقي من الضرر الناشئ من الشريعة، ومفاده هو نفي الحكم الضرري، وهي نفس النتيجة التي انتهى إليها الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني، إلا أنه لا موجب للالتزام بما ذكروه.

وبهذا يختلف هذا الوجه عن الوجه الثالث من الوجوه الأربعة المتقدمة، لأنه هناك ناظر الى عالم التشريع وينفي الحكم الشرعي المسبِّب للضرر مباشرة، ولو باعتبار أنَّ المراد بالضرر منشؤه الشرعي، أو غير ذلك من تقريبات الوجه الثالث، في حين أنَّ هذا الوجه يفترض أنَّ الحديث ناظر الى عالم الخارج، ومفاده نفي الضرر الخارجي، غايته يُقيَّد بما إذا كان ناشئاً من جهة الشارع، ولازم ذلك نفي الحكم الضرري في الشريعة، وإلا كان الضرر الناشئ من الشريعة متحققاً في الخارج.

إذن هما يشتركان في نفي الأحكام الضررية في الشريعة، ويفترقان أنَّ الوجه الثالث يرى أنَّ المنفي في الحديث مباشرة هو الحكم الشرعي الضرري، في حين أنَّ هذا الوجه يرى أنَّ المنفي هو نفس الضرر بوجوده الحقيقي الخارجي لكن مع تقييده بالنشوء من الشريعة، وهذا وإن كان يدل على نفي الحكم المسبب للضرر إلا أنَّ ذلك ليس هو مفاد الحديث، بل لازم مفاده.

واستدل على ذلك بما حاصله: أنَّ فقرة (لا ضرر) لو خُليت وطبعها تشتمل على عدة ظهورات، وإذا أردنا التحفظ على جميع هذه الظهورات لزم نفي كل ضرر خارجي في العالم، وهو واضح البطلان وكذب، فلابد من رفع اليد عن بعض هذه الظهورات حتى تكون القضية قابلة للتصديق، أما الظهورات فهي:

الأول: ظهور (لا) في أنها نافية، لا ناهية.

الثاني: ظهور الكلام في عدم تقدير شيء يكون هو المنفي، وأنَّ المنفي هو المذكور في الحديث.

الثالث: عدم التجوز في كلمة (الضرر) بأن يراد منها الحكم الضرري مجازاً وبعلاقة السببية.

الرابع: عدم العناية بأن يراد من نفي الموضوع نفي حكمه لكونه لازماً للموضوع، أو غير ذلك من العنايات المتقدمة لنفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

الخامس: كون المنفي هو الوجود الحقيقي للضرر، لا الوجود التشريعي.

السادس: كون الضرر مأخوذاً على نحو الموضوعية لا الطريقية، وهذا ينفي ما ذكره المحقق النائيني من جعل الضرر عنواناً للحكم باعتباره مسبَّباً توليدياً للضرر، وتوضيحه:

إنَّ جعل الضرر عنواناً للحكم وإن كان صحيحاً عرفاً باعتباره سبباً للضرر الحقيقي وطريقاً إليه إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّ مفهوم الضرر له مصداقان عرفاً وفي عرض واحد وهما الضرر الخارجي وسببه - أي الحكم الشرعي -، وإنما يعني صحة اطلاق الضرر على الفرد الآخر، مثلاً حينما يطلق العرف الإحراق على الإلقاء في النار فهذا لا يعني أنَّ مفهوم الإحراق تحقق له مصداق آخر وهو سبب الاحراق - أي الإلقاء في النار - بحيث يكون اطلاق الإحراق على الإلقاء من باب اطلاق اللفظ المطلق واستعماله في أحد معنييه، وإنما يفرض مجرد صحة اطلاق الإحراق على الالقاء مع بقاء مفهوم الإحراق صادقاً على فرده الحقيقي، وهذا يعني أنَّ العنوان عندما يستعمل بلا قرينة ينصرف لا محالة الى معناه وفرده الحقيقي، وهذا هو مرادنا مما تقدم من أنَّ الظاهر أنَّ الضرر مأخوذ على نحو الموضوعية لا الطريقية.

السابع: الظهور الإطلاقي في أنَّ المنفي هو مطلق الضرر لا حصة خاصة منه.

ثم يقول: وهذه الظهورات متساوية في القوة والضعف فلابد من إقامة القرينة على أسقاط أحد هذه الظهورات والأخذ بالباقي، والمتعين هو رفع اليد عن الظهور السابع، أي الاطلاق دون سائر الظهورات، وذلك لوجوه:

منها: كون الظهور السابع ظهوراً إطلاقياً يتم بمقدمات الحكمة، في حين أنَّ الظهورات الباقية ظهورات وضعية، والظهور الإطلاقي أضعف منها.

ومنها: أنَّ هذا الظهور ظهور في طرف الموضوع أي في الضرر المنفي، فيرفع اليد عنه في أمثال المقام ولا يرفع اليد عن الظهورات الوضعية في طرف المحمول، كما هو المقرر في باب التعارض.

ومنها: قيام القرينة على التقييد وعدم هذا الاطلاق وهي:

أولاً: وجود الأضرار التكوينية في الخارج كثيراً، فكون المنفي هو مطلق الضرر واضح الكذب.

وثانياً: كون النبي (ص) مشرع ومقنن وظاهر حاله هو أنه ينفي الضرر بما هو شارع، وهذا لا ينسجم مع نفي الضرر الخارجي على الاطلاق، وإنما ينسجم مع نفي الضرر المستند الى الشارع بما هو شارع، أي الضرر الناشئ من الشريعة.

وعليه نرفع اليد عن الظهور السابع وتبقى الظهورات الباقية على حالها، وبذلك تنتفي الوجوه السابقة، فما ذهب إليه شيخ الشريعة ينتفي بظهور (لا) في النفي لا النهي، وينتفي أيضاً ما ذكره صاحب الكفاية بظهور الكلام في عدم وجود عناية تستلزم إرادة نفي الحكم من نفي الموضوع، وينتفي ما ذكره المحقق النائيني بظهور أخذ الضرر على نحو الموضوعية، وهكذا باقي الوجوه الأخرى.

فإذا حافظنا على هذه الظهورات ورفعنا اليد عن الظهور الأخير والتزمنا بتقييد الضرر المنفي بما إذا كان ناشئاً من الشريعة كان مفاد الحديث نفي الضرر بوجوده الحقيقي الخارجي الناشئ من الحكم الشرعي.

logo