47/05/25
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
كان الكلام في الوجه الثاني الذي يبتني على نكتتين:
الأولى: أنَّ الضرر اسم مصدر فيكون خالياً من النسبة الصدورية، ويكون المراد به هو المنقصة التي تَرِدُ على المتضرر، وبهذا الاعتبار يصعب تصور تعلق النهي به.
الثانية: أنَّ الضرر أمر مرغوب عنه لا يُقدم عليه الانسان إلا بتخيُّل الإلزام الشرعي، ونفي الضرر في هذا السياق يكون ظاهراً في نفي تسبيب الشارع له بجعل حكم يؤدي الى الضرر.
والتعليق عليه:
أنَّ هذا الوجه على فرض تماميته لا ينافي ما تقدم في الوجه الأول، لأنه لا ينفي إرادة النهي عن الضرر وتحريمه من الحديث، لأنَّ الضرر وإن كان اسم مصدر، ولكن يمكن النهي عنه تكليفاً، كما أنَّ كونه أمراً مرغوباً عنه لا يمنع من تحمله في بعض الأحيان حتى مع العلم بعدم وجوبه شرعاً، وهذا معناه أنَّ الضرر قابل لأن يتعلق النهي به.
ويلاحظ عليه: أنَّ المراد من النهي عن الضرر هو النهي عن إيجاد ما يوجب تحققه في الخارج، نظير النهي عن الربا - إذا كان اسم مصدر - أو الأمر بالطهارة فإنَّ المراد النهي عن المعاملة الربوية في الأول، والأمر بما يحقق الطهارة في الثاني كالوضوء والغسل، إذن ليس المراد النهي عن نفس المعنى الاسم المصدري حتى يقال إنَّ هذا لا يتضمن نسبة صدورية فلا معنى للنهي عنه، بل المراد هو النهي عما يؤدي الى المعنى المصدري.
هذا مع أنَّ ظاهر كلامه هو أنه لا يستند في المنع من النهي الى النكتة الأولى، وإنما يستند الى النكتة الثانية وهي أنَّ الضرر أمر مرغوب عنه، لأنَّ كون الضرر معنى اسم مصدري يكفي للمنع من استفادة النهي وإن لم يكن الضرر أمراً مرغوباً عنه، بل وإن كان مرغوباً فيه.
فإن قيل: إنَّ النهي عن الضرر مع كونه أمراً مرغوباً عنه ومع فرض عدم تحميله من قبل الشارع غير عرفي لأنَّ الغرض من النهي هو عدم تحقق المنهي عنه خارجاً، وهو متحقق في المقام من دون حاجة الى النهي، لأنَّ المفروض عدم صدوره من الانسان إلا بافتراض تحميله من قبل الشارع.
قلنا: إنَّ الانسان قد يُقدِم على ما يوجب الضرر لبعض الدواعي، وحينئذٍ يمكن إرادة النهي عنه، كما هو الحال في الضرار فإنَّ كُلاً منهما قد يصدر أحياناً لبعض الدواعي، إذن لا محذور في فرض النهي عن الضرر إذا أمكن تصوره في المقام، ولا يمنع منه كون الضرر إسم مصدر ولا كونه أمراً مرغوباً عنه.
والحاصل: أنَّ نفي الضرر خارجاً لا يحصل بمجرد رفع الحكم الضرري، بل لابد من ايجاد المانع منه أي الحرمة، ويكون مقتضى إطلاق النفي ثبوت كِلا الأمرين.
وبعبارة أخرى: أنَّ مفاد (لا ضرر) هو بيان عدم تحقق الضرر خارجاً، مع كون المقصود الأصلي هو بيان تصدي الشارع الى بيان لازمه وهو رفع مقتضي الضرر وهو الحكم الضرري، وإيجاد المانع منه وهو الحرمة.
ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى لأنَّ (لا ضرر) لم تستعمل إلا في معناها الوحيد والحقيقي وهو نفي الضرر حقيقة، إلا أنَّ له لازم دلت عليه، وليس هذا من استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
وتحصل مما تقدم: أنَّ النكتة التي اعتمد عليها في الوجه الأخير لمنع استفادة النهي عن الضرر في فقرة (لا ضرر) هي كون الضرر أمراً مرغوباً عنه لا يتحمله الانسان إلا بتحميل الشارع، فيكون نفي الضرر ظاهراً في نفي التحميل الشرعي، وأما كون الضرر لا يشتمل على نسبة صدورية لكونه اسم مصدر فالظاهر عدم كونه دخيلاً في المنع المذكور، وإلا لما كانت هناك حاجة الى التركيز على النكتة الأولى، بل لا حاجة لذكرها، لوضوح أنَّ الضرر لكونه لا يشتمل على نسبة صدورية يمنع من استفادة النهي حتى إذا لم يكن أمراً مرغوباً عنه.
مع أنك عرفت أنَّ ذلك لا يقتضي المنع، لأنَّ المراد هو النهي عما يؤدي الى الوقوع في الضرر لا النهي عن نفس الضرر حتى يقال لا معنى للنهي عنه، بل هو بنفسه يمكن جعله قرينة على أنَّ النهي عن الضرر يراد به النهي عما يؤدي الى الضرر، ومن الواضح أنَّ الوضوء الضرري هو مصدر يشتمل على نسبة صدورية، فإذا كانت النكتة الأولى هي الموجبة للمنع حسب هذا الوجه أمكن الجواب بما تقدم من أنَّ الضرر وإن كان مرغوباً عنه لكن قد يصدر من الانسان أحياناً بالرغم من رفع التحميل الشرعي، وهذا يستوجب تشريع الحرمة، فإنه بالإضافة الى رفع الحكم الضرري يمنع من تحقق الضرر، لأنَّ مجرد رفع الحكم الضرري لا يستوجب انتفاء الضرر ولا يصحح نفيه خارجاً.
ومنه يظهر عدم تمامية ما يقال: من أنه بناءً على تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري فالحديث لا يدل على حرمة الضرر، لأنَّ جواز الاضرار بالنفس حكم ضرري فيرتفع بــ (لا ضرر)، فيثبت التحريم، لأنَّ الجواز ليس حكماً ضررياً.
وهذا توهم لإمكان استفادة حرمة الضرر لا بالبيان المتقدم وإنما المدعى أنَّ نفي الضرر خارجاً من قبل الشارع معناه منع تحقق الضرر من قبله وهو يعني قيامه بأمرين: رفع الحكم الضرري، وتشريع تحريم الضرر، ولا يكتفي بنفي الحكم الضرري.