47/05/24
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
الملاحظة على الوجه الأخير الذي يستفيد كِلا الأمرين نفي الحكم الضرري وحرمة الضرر من فقرة (لا ضرر) بدعوى أنَّ مفادها عام يشمل عدم الحكم الضرري ووجود المانع - أي الحرمة التكليفية للضرر - هي أنَّ الضرر اسم مصدر يُعبَّر به عن نفس المبدأ من دون نسبة صدورية، بخلاف المصدر، وبخلاف الضرار والاضرار فإنه مصدر فيه نسبة صدورية، وعليه نقول: لا مجال لفرض كون الضرر مورداً للنهي لأنَّ الضرر بحسب طبعه أمر مرغوب عنه لا يكاد يصدر من الانسان إلا بافتراض وجود جعل من قبل الشارع، ومن هنا يستهجن أن يقال: يحرم الضرر بالنفس، فإنَّ الانسان لا يُقدم عليه بطبعه فيكون مضمون التحقق، نعم يمكن ذلك في الضرار فإنه يعني الإضرار بالغير وقد يصدر من الانسان بدواعٍ مختلفة، وعليه يكون نفي الضرر نفياً لوجود الحكم الشرعي المُسبِّب له لما عرفت من أنَّ الضرر لا يتحقق عادة إلا بافتراض التسبيب الشرعي لكونه امراً مرغوباً عنه ولذا يكون نفيه نفياً للتسبيب الشرعي لا محالة، ولا يكون تحريماً شرعياً للضرر.
والحاصل: أنَّ المناسب لفقرة (لا ضرر) إرادة نفي الضرر بداعي نفي مقتضيه في عالم التشريع، ولا يناسبه إرادة نفي الضرر بداعي وجود المانع، أي النهي والتحريم، نعم يمكن إرادة ذلك من فقرة (لا ضرار)، وعليه فالضرر في مقابل الضرار لا يتصور صدوره من الانسان إلا إذا كان هناك حكم شرعي مؤدٍ إليه، وحينئذٍ يكون نفيه ظاهراً في نفي وجود الحكم الشرعي المؤدي إليه لا محالة.
وقد يتأمل في هذه الملاحظة بأن يقال: إنَّ الضرر أمر مرغوب عنه كما ذكر لكنه قد يصدر من الانسان أحياناً من دون افتراض وجود حكم شرعي يلزمه به، ولذا قلنا أنه لا يكفي في عدم تحقق الضرر خارجاً نفي وجوب الوضوء الضرري، إذ قد يصدر من المكلف بدواعي مختلفة، فالمناسب حينئذٍ سد كل أبواب تحقق الضرر من جهة الشارع التي تؤدي الى وقوع الضرر، ولازم ذلك تحقق كِلا الأمرين نفي الحكم الضرري وتحريم الضرر.
والحاصل: أنَّ النهي عن الضرر أمر متصور ومعقول فإنَّ الانسان قد يُقدم على ما فيه الضرر لدواعٍ مختلفة وإن لم يحرم شرعاً، فقد يصدر بحكم العادة، وقد يُقدِم عليه من باب الإستهانة بالضرر، وقد يُقدِم عليه بتخيل أنه أقرب الى مراد الشارع أو غير ذلك، فإذا فرض أنَّ الشارع لا يريد تحقق الضرر خارجاً من ناحيته فالمناسب أن يضم الى نفي الحكم المسبب للضرر النهي عن الضرر وبذلك يضمن تحقق ما يريده من جهته.
فتبين مما تقدم أنَّ الاعتراض المتقدم لا يكون وارداً.
الوجه الثاني: ما أفاده بعض الأعلام أيضاً، وحاصله:
أنَّ نفي الطبيعة خارجاً في مقام التعبير عن موقف شرعي بالنسبة الى تلك الطبيعة يستعمل في مقامات مختلفة مثل إفادة التحريم المولوي، أو إفادة التحريم الارشادي، وقد يستعمل في مقام إفادة عدم الحكم الذي يتوهم أنه يؤدي الى تحقق تلك الطبيعة، ولكن استفادة أحد هذه المعاني من الكلام مرهون بمجموع الملابسات المحيطة بالكلام، وهو بالنسبة الى فقرة (لا ضرر) يقتضي ما ذهب إليه الشيخ الأعظم من نفي التسبيب الى الضرر بجعل الحكم الشرعي الضرري، وأما بالنسبة الى فقرة (لا ضرار) فتقتضي إرادة التسبيب الى نفي الاضرار، وهذا يشتمل على أمرين: الأول أن يُحرِّم الضرار، الثاني أن يُشرِّع وسائل اجرائية لتنفيذ هذا التحريم، وتوضيح ذلك:
أنَّ (الضرر) معنى اسم مصدري يعبر عن المنقصة النازلة بالمتضرر من دون نسبة صدورية، وهذا المعنى بطبعه مرغوب عنه لدى الانسان، ولا يتحمله أحد إلا بتصور تسبيب الشارع له، لأنَّ طبيعة الانسان دفع الضرر عن نفسه، وبناءً عليه يكون معنى نفي الطبيعة في ضمن هذه الملابسات هو نفي التسبيب إليها بجعل شرعي.
وأما فقرة (لا ضرار) فالضرار مصدر فيه نسبة صدورية من الفاعل، وصدوره من الانسان أمر طبيعي ويوافق قواه النفسية، ولذا يكون نفيه خارجاً من قبل الشارع ظاهراً في التسبيب الى عدمه، فالأول تحريمه تكليفاً فإنه يعتبر خطوة أولى لمنع تحقق الاضرار بالغير، والثاني تشريع وسائل اجرائية ضد تحقق الاضرار من قبل الحاكم، لأنَّ مجرد التحريم ما لم يكن مدعوماً بقوة اجرائية لتنفيذه لا يستوجب انتفاء الاضرار خارجاً.
وهذه الوجه يتوقف على تتميم أمور تفهم منه يأتي الحديث عنها.