47/05/23
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
ملاحظة أخرى على الاحتمال الرابع، وحاصلها:
إنَّ هذا الاحتمال يقتضي نفي الحكم الثابت للفعل إذا كان الفعل ضررياً، كنفي وجوب الوضوء إذا كان الوضوء ضررياً، وهذا يشمل الفعل المحرم إذا كان ضررياً، فشرب الخمر حكمه الحرمة وهو فعل ضرري بحسب الفرض، فتشمله القاعدة المتقدمة فتنفي حكمه، فلابد من الالتزام برفع حكم شرب الخمر إذا كان ضررياً، وهذا ما لا يمكن الالتزام به، بينما لا يلزم هذا المحذور على الاحتمال الثالث.
يتبين من جميع ما تقدم: أنَّ أقرب الاحتمالات الأربعة المتقدمة هو الاحتمال الثالث بتقريباته الأخيرة، وحاصله هو أن يكون نفي الضرر كناية عن نفي الحكم الضرري، وعليه يكون المراد الاستعمالي للحديث هو الإخبار عن نفي الضرر والضرار، والمراد الجدي هو الإخبار عن ملزوم ذلك، أي نفي الحكم الضرري، باعتبار وجود ملازمة بين وجود حكم ضرري في الشريعة وبين تحقق الضرر، وعليه يصح الإخبار عن نفي الضرر ويراد به نفي الحكم الضرري، ولا يلزم محذور الكذب في الإخبار عن نفي الضرر، لأنه إنما يلزم إذا كان نفي الضرر مراداً جدياً للمتكلم وأما إذا كان مجرد كناية عن نفي الحكم الضرري في الشريعة فلا يلزم هذا المحذور.
ومنه يظهر أنَّ من التزم بكون نفي الضرر مراداً استعمالياً وجدياً يواجه محذور الكذب.
ويلي الاحتمال الثالث الاحتمال الثاني بنفس التقريب المتقدم بأن يقال أنَّ نفي الضرر كناية عن التحريم ونفي التسبيب له تشريعاً، ويكون المراد الاستعمالي هو الإخبار عن نفي الضرر، والمراد الجدي هو الإخبار عن ملزوم ذلك وهو تحريم الضرر وعدم تجويزه، وذلك باعتبار وجود ملازمة بين عدم تحريم الضرر وبين تحقق الضرر فيصح الإخبار عن عدم تحقق الضرر والمراد به هو الإخبار عن تحريم الضرر.
وجوه أخرى:
وهناك وجوه أخرى لتفسير القاعدة ذهب إليها بعض الأعلام:
الوجه الأول: إنَّ القاعدة تتكفل معنى عاماً شاملاً لنفي الحكم المستلزم للضرر ولحرمة الضرر تكليفاً، أي أنها تدل على الاحتمالين الثاني والثالث معاً، وذكر في مقام تقريبه أنَّ الاحتمالين الثاني والثالث بملاك واحد وملاحظة جهة واحدة وهي بيان عدم المعلول - أي الضرر - مع كون الغرض الأصلي هو بيان عدم تحقق أجزاء علته، غايته أنَّ الملحوظ في الاحتمال الثالث بيان عدم المعلول من جهة عدم تحقق مقتضيه، أي الحكم المستلزم للضرر فيدل على رفع الحكم الضرري، وأما الملحوظ في الاحتمال الثاني فهو بيان عدم المعلول أيضاً لكن من جهة تحقق مانعه وهو الحرمة المانعة من تحقق الضرر فيدل حينئذٍ على تحريم الضرر تكليفاً.
والحاصل: إنَّ المراد الاستعمالي في الحديث هو نفي الضرر والضرار في الخارج، والمراد الجدي بيان تصدي الشارع الى رفع ما يؤدي الى وقوع الضرر وهو المقتضي وعدم المانع، لأنَّ عدم المعلوم لازم لعدم المقتضي ولوجود المانع، وعليه ففي موارد الضرر كما يرتفع الحكم الضرري كذلك يثبت تحريم الضرر، وذلك لأنَّ عدم الضرر خارجاً لا يحصل بمجرد رفع الحكم الضرري، بل لابد من ايجاد المانع عنه وهو الحرمة، فإنَّ مجرد ارتفاع وجوب الوضوء الضرري مثلاً لا يمنع من تحققه خارجاً إذا قد يأتي به المكلف ما دام غير محرم.
نعم بعض الموارد لا تكون قابلة للأمرين معاً فلا يثبت فيها إلا أحد الأمرين مثل قضية سمرة بن جندب، إذ لا إلزام بالعبور على بيت الأنصاري حتى يرتفع باعتباره ضررياً على الأنصاري وإنما الثابت هو جواز واباحة العبور وهو ليس ضررياً.
وقد يقال: إنَّ الحكم الضرري هو عبارة عن الإذن الشرعي بالعبور فيمكن رفعه.
والجواب: إنَّ الإذن الشرعي ليس ضررياً أيضاً كالإباحة لعدم تضمنه الالزام، نعم هناك تعسف في تطبيق الإذن وليس مأذونا بذلك شرعاً.
وكذا الشفعة ليست قابلة لكلا الأمرين فلا يثبت إلا نفي الحكم الضرري، إما لزوم البيع أو صحته، وأما الحرمة التكليفية فلا يمكن إثباتها.
أقول: صاحب هذا الوجه ذكر أنَّ معنى الحديث هو كون المراد الاستعمالي والجدي نفي الضرر في الخارج حقيقة، ولا يتوقف هذا الوجه على أن يكون نفي الضرر مراد جداً، وذلك دفعاً لمحذور الكذب، ويكون المراد الجدي هو نفي الحكم الضرري أو تحريم الضرر، ويكفي في هذا الوجه أن يكون نفي الضرر مراداً استعمالياً للمتكلم.
نعم قد يلاحظ على هذا الوجه أنه يستفيد كلا الأمرين من فقرة (لا ضرر) بدعوى أنَّ مفادها عام يشمل عدم المقتضي ووجود المانع، فإنه في كل منهما يصدق أنَّ علة الضرر غير متحققة فالمراد الأصلي بيان أمرين نفي الأحكام المسببة للضرر وحرمة الضرر تكليفياً.