« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

تبين مما تقدم أنَّ الاحتمال الرابع يقول أنَّ (لا ضرر) يراد به نفي الحكم الثابت لموضوعه إذا كان ضررياً، وإثبات ذلك باعتبار أنَّ نفي الضرر يراد به نفي الفعل الضرري باعتباره سبباً للضرر، وهو يعني نفي حكمه.

وهناك أمور قد تذكر لاستبعاد هذا الاحتمال:

الأمر الأول: لا إشكال في أنَّ نفي الضرر صادر من الشارع فهو نفي تشريعي صدر منه بما هو شارع، وليس المراد به الضرر في الخارج وإلا استلزم الكذب، مع خلف كونه صادراً منه بما هو شارع، كما أنَّ المنفي ليس هو الضرر في عالم التشريع لما تقدم من أنَّ نفي الشيء في عالم التشريع معناه أنه لم يقع موضوعاً لحكم شرعي، وهو في الحقيقة نفي لحكمه، وهو غير مقصود قطعاً، كما أنه غير معقول لأنَّ المفروض أنَّ الضرر موضوع لهذا الحكم ومقتضٍ له فكيف يكون نافياً له! فيبقى ظهور الحديث في كون النفي فيه تشريعياً - أي صدر منه بما هو شارع - وهو قرينة على أنَّ النفي موجه للحكم الضرري، لأنَّ ما يناسب الشارع وهو نفي الحكم، وحيث أنَّ نفي حكم الضرر غير معقول فيتعين إرادة نفي الحكم الضرري، أي أنَّ الشارع لم يشرع حكماً يترتب عليه الضرر، وهذا هو نتيجة الاحتمال الثالث.

وأما الاحتمال الرابع فيوجه النفي للفعل الضرري لغرض نفي حكمه، فهو وإن كان يحافظ على صدور النهي من الشارع بما هو شارع إلا أنه بحاجة الى قرينة تدل على نفي الحكم بتوسط نفي الموضوع، بخلاف الاحتمال الثالث الذي يرى أنَّ النفي متوجه إبتداءً الى الحكم.

وبعبارة أخرى: إنَّ الاحتمال الثالث يرى أنَّ المراد بنفي الضرر الصادر من الشارع بما هو شارع بعد تعذر حمله على الأمور المتقدمة هو نفي وجود الحكم الضرري في عالم التشريع، وأما الاحتمال الرابع فهو يرى أنَّ المراد نفي حكم الموضوع الضرري بتوسط نفي الفعل الضرري لكنه بحاجة الى قرينة كما تقدم.

والحاصل: إذا دار الأمر بين الاحتمالين الثالث والرابع فقرينة كون النفي تشريعياً تُعيِّن الثالث إذ يكفي ذلك لهذه القرينة، وأما افتراض أنَّ ذلك نفي الحكم بتوسط نفي الموضوع فهو بحاجة الى قرينة.

الأمر الثاني: ما أشرنا إليه من أنَّه من باب نفي الحكم بلسان نفي الموضوع من قبيل (لا شك لكثير الشك)، لكن المتعارف هو نفي الحكم الثابت لموضوع بلسان نفي موضوعه، وفي محل الكلام نفي الضرر يعني نفي حكمه، وهو الحرمة، وهو غير مراد له قطعاً، على أنه مشكل كما تقدم.

الأمر الثالث: إنّ ما ذكره من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع إنما يصح باعتبار أنَّ الحكم لازم لموضوعه، فيدور الحكم مدار موضوعه وجوداً وعدماً، وتطبيقه في (لا ربا بين الوالد وولده) بأن يقال: إنَّ حكم الربا هو الحرمة، وهو لازم للموضوع، ونفي الربا يلزمه نفي حكمه، وبهذه العلاقة صح نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، لكن هل يصح ذلك بالنسبة الى متعلق الحكم كما صح بالنسبة الى موضوع الحكم؟ أي هل العلاقة بين الحكم والمتعلق كالعلاقة بين الحكم والموضوع؟

الجواب: ليست العلاقة كذلك، فبالرغم من عدم وجود المتعلق في الخارج فإنَّ الحكم موجود ويدعو المكلف الى الإتيان به، فليس الحكم لازماً لمتعلقه، وبناءً عليه نقول لا يصح نفي الحكم بنفي متعلقه، وتطبيقه على وجوب الوضوء إذا كان ضررياً بأن يقال: إنَّ الوجوب لا ينتفي بانتفاء الوضوء لأنَّه ليس لازماً للوضوء يدور مداره وجوداً وعدماً، بخلاف الحرمة في مثال الربا فهي تدور مدار وجود الموضوع، إذن لا يصح دعوى أنَّ مفاد الحديث نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وتطبيق ذلك على نفي وجوب الوضوء الضرري ونحوه، لأنَّ الوجوب لا ينتفي بانتفاء الوضوء.

فإن قيل: بأنَّ هذا إنما يصح إذا اُريد نفي الحكم بنفي متعلقه في عالم الوجود الخارجي، وأما إذا اُريد نفيه بنفي متعلقه في عالم التشريع فلا محذور فيه لأنَّ معناه أنَّ الشارع لم يجعل الوضوء الضرري واجباً، أو قل إنَّ الشارع لم يجعل الوجوب للوضوء الضرري، وعليه يصح نفي الحكم بلسان نفي متعلقه كما يصح نفي الحكم بلسان نفي موضوعه.

وجوابه: المدعى هو أنَّ المصحح لنفي الحكم بلسان نفي موضوعه هو كون الحكم من لوازم موضوعه التي لا تنفك عنه أصلاً، وهذه النكتة غير موجودة في متعلق الحكم لأنه ليس من لوازم متعلقه، وهذا لا يُفرَّق فيه بين أن يكون النفي بلحاظ الخارج أو بلحاظ عالم التشريع.

 

logo