47/05/17
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
الجواب الثاني: إنَّ نسبة الخطأ والنسيان الى الفعل هي نسبة العلة الى المعلول، فيصح أن يكون النفي نفياً للمعلول - أي الفعل - بنفي علته - وهو الخطأ -، والمراد أنَّ الفعل الصادر حال الخطأ والنسيان كأنه لم يصدر في الخارج فيرتفع حكمه لا محالة، بخلاف الضرر فإنه معلول للفعل ومترتب عليه خارجاً، ولم يعهد في الاستعمالات العرفية أن يكون النفي في الكلام متعلقاً بالمعلول ويراد به نفي العلة، والمعهود هو العكس أي تعلق النفي بالعلة ويراد نفي المعلول، ولو سُلِّم صحة هذا الاستعمال فلا ينبغي الشك في كونه خلاف الظاهر فلا يصار إليه.
وقد يعترض عليه: بعدم الفرق بين المقامين في أنَّ كلاً منهما بحاجة الى قرينة، فإنَّ نفي السبب وإرادة نفي المعلول كنفي المسبب وإرادة نفي السبب في أنه بحاجة الى قرينة لكونه خلاف الظهور الأولي للنفي المتعلق بالطبيعة، ودعوى أنَّ الأول معهود في الاستعمالات العرفية دون الثاني غير تامة لعدم تعارف هذه الاستعمالات في العرف.
مضافاً الى أنَّ الاحتمال الثالث يبتني على ما نفاه واعتبره غير معهود في المقام لأنَّ الاحتمال الثالث بتقريبيه - الثالث والرابع - يعتمد على علاقة السبية القائمة بين الحكم الشرعي وبين الضرر، وأنَّ الضرر مسبب عن الحكم، ونفي الضرر المسبب في الحديث يُراد به نفي سببه!
التعليق عليه:
والذي يمكن أن يقال في المقام أنه من الواضح أنَّ غرض السيد الخوئي هو دفع الاشكال السابق وإثبات الفرق بين الحديثين، وأنَّ رفع الخطأ يمكن أن يراد به رفع المسبب، أي رفع الفعل الصادر عن خطأ، ومعنى رفعه هو رفع حكمه، يعني رفع الحكم الثابت للفعل بلسان رفع الموضوع، وهذا غير ممكن في حديث نفي الضرر، لأنَّ الضرر علة للفعل وليس معلولاً له فلا يصح نفي العلة وإرادة نفي المعلول، بينما يصح نفي المعلول وإرادة نفي العلة.
نعم يمكن أن يُفهم من هذا الكلام توجيه كلام صاحب الكفاية، بمعنى أنَّ الوجه الذي اعتمده في مختاره هو أنَّ نفي الضرر يراد به نفي الفعل الضرري لكون الضرر مسبباً عنه، ويصح نفي المسبب وإرادة نفي السبب، ومن الواضح أنَّ نفي الفعل واعتباره بحكم العدم شرعاً يلازم نفي حكمه، وعليه يكون معنى الحديث نفي حكم الفعل الضرري بلسان نفي موضوعه.
وبعبارة أخرى: أنَّ الضرر المنفي له سببان: الحكم الشرعي، والفعل الخارجي، فإذا صح أن يراد بنفي الضرر نفي الحكم المسبِّب له صح أيضاً أن يراد بنفي الضرر نفي الفعل الضرري المسبب له، وإذا جاز لكم الاعتماد على الأول لإثبات الاحتمال الثالث يجوز الاعتماد على الثاني لإثبات الاحتمال الرابع.
فإن قيل: إنَّ الضرر ليس عنواناً للفعل وليس بينهما أي نحو من انحاء الاتحاد فلا يصح أن يُجعل مرآة وعنوناً للفعل.
قلنا: إنَّ نفس هذا الكلام يجري في الاحتمال الثالث المبني على إرادة نفي الحكم من نفي الضرر، لأنَّ لازمه جعل الضرر عنواناً ومرآة للحكم، بحيث يشار بنفي الضرر الى نفي الحكم المسبِّب له، مع أنَّ الضرر ليس عنواناً للحكم ولا اتحاد بين مفهوميهما.
فإن قيل: إنا لا نجعل الضرر عنواناً للحكم، بل نلتزم بالتقريب الرابع وفيه لا يُجعل الضرر عنواناً ومرآةً للحكم.
قلنا: لماذا لا يجري هذا التقريب لإثبات الاحتمال الرابع بأن يقال أنَّ الضرر في الحديث يراد به الضرر نفسه لا الفعل الضرري لكن يكون المقصود الأصلي من الإخبار عن نفي الضرر هو الاخبار عن نفي سببه، أي الفعل المسبِّب له.
بل قد يدعي صاحب الكفاية أنَّ علاقة السبية بين الفعل الضرري والضرر أوضح من العلاقة بين الحكم الضرري والضرر، لأنَّ الحكم إنما يُسبب الضرر بتوسط الفعل وإلا فلا يقع الضرر وإن وُجِد الحكم، ويترتب على ذلك أنَّ ما يقوله صاحب الكفاية يكون أقرب مما يقوله أصحاب الاحتمال الثالث.