47/05/16
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
كان الكلام في الاعتراض الأول على الاحتمال الرابع، وحاصله: إنَّ نفي الحكم بلسان نفي الموضوع صحيح وشائع لكن المراد به نفي الحكم عن موضوعه المذكور، فنفي الربا في (لا ربا بين الوالد وولده) يراد به نفي الحكم وهو الحرمة، وتطبيقه على (لا ضرر) يعني أنَّ الحكم الثابت للضرر يراد نفيه بلسان نفي الضرر، وهو يعني نفي الحرمة، وهذا غير مراد قطعاً، مضافاً الى أنه غير معقول، وإنما مراده هو نفي الحكم الثابت في مورد الضرر، أي نفي الوجوب الثابت للوضوء عندما يكون الوضوء ضررياً، فالمراد نفيه هو الحكم الثابت للفعل الضرري، وهذا لا ينسجم مع ما ذكره من أنَّ المقام من باب نفي الحكم بنفي موضوعه.
وقد يقال: يمكن قياس ذلك على حديث الرفع في فقرة (ما اضطروا اليه) إذ لا إشكال في أنَّ من جملة الأمور المذكورة هو الخطأ والنسيان، وتطبيق الحديث عليها يكون برفع الحكم الثابت للفعل في مورد الخطأ والنسيان، ويطبق ذلك على فقرة (ما اضطروا إليه)، ويقال أنَّ (لا ضرر) من هذا القبيل فتنفي الحكم الثابت للفعل في مورد الضرر، أي تنفي الوجوب الثابت للوضوء عندما يكون الوضوء ضررياً.
وجوابه: بالفرق بين الحديثين فإنَّ فقرة (ما اضطروا إليه) تشتمل على الموصول فيتوجه الرفع الى الفعل، وأما في محل الكلام فالنفي متوجه الى الضرر نفسه.
وقد يقال: بأنَّ رفع الخطأ والنسيان في حديث الرفع إنما يكون رفعاً للحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ والنسيان فليكن المقام كذلك، فيكون المنفي في محل الكلام هو حكم الفعل الضرري.
وأجاب عنه السيد الخوئي بعدة أجوبة:
الجواب الأول: إنَّ الالتزام بنفي الحكم عن الفعل الصادر حال الخطأ أو النسيان في حديث الرفع إنما هو للقرينة القطعية، باعتبار أنَّ رفع الخطأ والنسيان تكويناً مستلزم للكذب لوجودهما بالوجدان، ورفع الحكم المتعلق بنفس الخطأ والنسيان مستلزم للخلف والمحال، لأن الموضوع - وهو الخطأ والنسيان - هو المقتضي للحكم فكيف يُعقل أن يكون رافعاً له! فلا مناص من الحمل على رفع الحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ والنسيان، وهذا بخلاف المقام إذ يمكن تعلق النفي بنفس الضرر في مقام التشريع ليكون مفاده نفي جعل الحكم الضرري، وهذا هو عبارة عن الاحتمال الثالث.
واعترض على هذا الجواب بأنه لا فرق بين حديث الرفع وحديث نفي الضرر، لأنَّ نفس القرينة القطعية المدعى وجودها في حديث الرفع موجودة في المقام، فإنَّ نفي الضرر تكويناً مستلزم للكذب لوجوده بالوجدان، ونفيه تشريعاً - أي نفي الحكم المتعلق بنفس الضرر من باب نفي الحكم بلسان نفي موضوعه - مستلزم لنفي الحرمة عنه وهو غير معقول لأنَّ الموضوع - أي الضرر - هو المقتضي للحرمة لأنه موضوع لها فكيف يعقل أن يكون رافعاً لها! وعليه فهذه القرينة كما ألجأتنا الى حمل حديث الرفع على نفي الحكم المترتب على الفعل إذا صدر خطأ أو نسياناً كذلك في المقام، فيحمل حديث (لا ضرر) على نفي الحكم المترتب على الفعل إذا كان ضررياً، فلا يتم الاعتراض على ما ذكره صاحب الكفاية.
ويلاحظ على هذا الاعتراض: بأنَّ مراد السيد الخوئي هو أننا غير مجبرين على تفسير حديث (لا ضرر) بما فسرنا به حديث الرفع، وذلك لإمكان إبقاء النفي على حاله ويكون مفاده نفي الحكم الضرري، إما لما يقوله المحقق النائيني من إرادة الحكم من الضرر المنفي باعتباره سبباً توليدياً للضرر، وإما لما ذكرناه في التقريب الرابع للاحتمال الثالث من أنَّ المقصود الأصلي من الإخبار عن نفي الضرر في الحديث هو الإخبار عن نفي سببه، وعلى كلا التقديرين لا ملزم لحمل الحديث على أنه من باب رفع الحكم بلسان رفع موضوعه لإمكان أن يراد به نفي الأحكام الضررية بأحد التقريبين المتقدمين، وهذا غير ممكن في حديث الرفع، إذ لا علاقة بن الخطأ والنسيان وبين الحكم الشرعي، فإنَّ الحكم ليس سبباً توليدياً للخطأ والنسيان كما هو واضح، كما أنه لا يجري فيه التقريب الرابع لتوقفه على وجود علاقة السببية بين الحكم وبين هذه العناوين، في حين أنَّ هذه العلاقة موجودة في الضرر وغير موجودة في الخطأ والنسيان، فلا يصح الإخبار عن رفع الخطأ والنسيان ويكون المقصود الأصلي الإخبار عن رفع سببهما - أي الحكم - لأنه ليس سبباً لهما.
وعليه فلا يتم الاعتراض ويتم الجواب الأول للسيد الخوئي.