« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

ذكرنا الوجوه التي يمكن أن يُستدل بها على الاحتمال الثاني وهو إرادة الحرمة التكليفية من الحديث، وتقدم أنها كلها محل مناقشة أو منع، وهذه عمدة ما يستدل به في المقام.

ويزاد على ذلك أنَّ هناك اعتراضات على أصل الاحتمال، تقدم بعضها ويأتي ذكر الباقي.

أقول: أما الاعتراض الأول فهو مبني على استعمال النفي في مقام النهي، فإنه حينئذٍ يقال إنه خلاف الظاهر ولا يُصار إليه إلا عند تعذر إرادة المعنى الحقيقي، وأما إذا قرَّبنا هذا الاحتمال بأحد التقريبات المتقدمة، التي فُرض فيها استعمال النفي في معناه الحقيقي، أي نفي الضرر حقيقة وبداعي الإخبار عن نفيه، ويكون المصحح لذلك المبالغة في المنع عن الفعل حتى كأنه غير متحقق، أو قلنا أنَّ المقصود الأصلي من ذلك هو الإخبار عن الملزوم وهو وجود المنع الشرعي عن الضرر، أي الحرمة، باعتبار أنَّ العدم لازم للمنع الشرعي المتوجه الى المكلف، ومع افتراض إطاعة المكلف فلا مخالفة للظاهر حينئذٍ لأنَّ الجملة استعملت في معناها الحقيقي وتُستفاد الحرمة كمدلول التزامي وهو غير مسألة مخالفة الظاهر.

وأما الاعتراض الثاني فقد ادعي فيه أنَّ النص والفتوى يخالف هذا الاحتمال، لأنَّ قضية سمرة بن جندب لا تناسب كون (لا ضرر) واردة لمجرد بيان الحرمة التكليفية، وأنَّ الفقهاء استدلوا بهذا الحديث على نفي الحكم الضرري.

وقد يقال إنَّ الصحيح هو العكس، بمعنى أنَّ قضية سمرة لا تناسب كون المراد بــ (لا ضرر) هو نفي الحكم الضرري، لعدم وجود حكم شرعي فيها يستلزم الضرر حتى يكون الاستشهاد بالحديث لبيان رفعه ونفيه.

وهذه الدعوى - أي عدم وجود حكم شرعي في قضية سمرة - تبتني على أنَّ الحكم الذي يستلزم الضرر ويؤتى بالحديث لغرض نفيه هو الحكم اللزومي، وأما الحكم غير اللزومي فهو لا يكون منشأً للضرر لأنه يعني عدم المانع من قِبل الشارع في الفعل والترك، وفي مثله لا يصح إسناد الضرر الى الشارع بحيث يقال أنَّ الحكم بالإباحة ضرري، وحينئذٍ يقال في قضية سمرة بن جندب لا يوجد حكم إلزامي بوجوب المرور ببيت الانصاري حتى يقال أنه ضرري فيرتفع بالحديث، وإنما الموجود هو جواز المرور وهو لا يستلزم الضرر، فلا يصح تطبيق (لا ضرر) على هذا المورد بلحاظ نفي الحكم الضرري، فلابد أن يكون هذا التطبيق بلحاظ النهي والتحريم، فهذا الاعتراض لا يكون وارداً.

وأما الاعتراض الثالث الذي تقدم عن صاحب الكفاية والذي يقول إنَّ إرادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلا أنه لم يُعهد في مثل هذا التركيب - أي النفي المتوجهة الى الطبيعة - فجوابه: إنَّ عدم المعهودية لا يمنع من إرادة النهي منه إذا قلنا أنَّ الجملة لم تستعمل في النهي، بل إستعملت في معناها الحقيقي وهو النفي وبداعي الإخبار أيضاً كما في بعض التقريبات السابقة.

وأما الاعتراض الرابع وهو ما في مصباح الأصول[1] ، وحاصله:

إنَّ الرواية التي تنقل الحديث تارة تكون مشتملة على كلمة (في الاسلام) كما في مرسلة الشيخ الصدوق، وأخرى تكون خالية عنها، أما الأول فظاهر هذا القيد أنَّ المراد هو النفي في عالم التشريع لا نفي الوجود الخارجي، أي ليس هناك تشريع يكون سبباً للضرر.

وأما الثاني فحمل النفي على النهي فيه يتوقف على وجود قرينة صارفة عن ظهور الجملة في كونها خبرية كما في قوله تعالى ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّۗ﴾[2] فإنَّ العلم بوجود هذه الأمور في الخارج مع العلم باستحالة الكذب عليه سبحانه وتعالى يكون قرينة قطعية على إرادة النهي.

وأما في المقام فلا موجب لرفع اليد عن الظهور وحمل النفي على النهي لإمكان حمل القضية على الخبرية أي نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر.

والظاهر أنَّ ما ذكره بلحاظ وجود فقرة (في الاسلام) تام، أي نفي وجود الحكم الضرري في عالم التشريع، لكن الذي ذكره في الصورة الثانية - الخالية من القيد - فيلاحظ عليه أنَّ احتياج حمل النفي على النهي الى القرينة الصارفة صحيح، لكنه إنما يصلح لمرجوحية هذا الاحتمال في مقابل احتمال ارادة النفي الضرري إذا لم يلزم من الأخير مخالفة للظهور بأن يكون تجوزاً، وإلا يكون كُلاً منهما بحاجة الى قرينة صارفة، فيتساوى الاحتمالان بلا ارجحية لأحدهما على الآخر.


logo