« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

كان الكلام في الاحتمالات المطروحة في معنى جملة (لا ضرر)، وإنما تطرح هذه الاحتمالات باعتبار صعوبة الأخذ بظاهرها فإنَّ (لا ضرر) يقدر له خبر هو (موجود) لكنه خلاف الواقع فإنَّ الضرر موجود، فطُرح السؤال عن المراد من هذا النفي، فتأتي الاحتمالات لبيان ذلك، وتقدم الاحتمال الأول وهو نفي الضرر غير المتدارك، أي كل ضرر متدارك، فيجب تدارك الضرر، وأورد عليه بإيرادات تقدم الإيراد الأول وأجبنا عنه.

الايراد الثاني: وهو المنقول عن المحقق النائيني، وحاصله:

إذا اُريد من لزوم التدارك مجرد وجوبه تكليفاً من دون اشتغال الذمة، ففيه ما تقدم من أنَّ مجرد ذلك لا يوجب عَد الضرر الواقع بمنزلة العدم ولا يصحح النفي، وأما إذا اُريد به الحكم الوضعي أي لزوم الضمان، ففيه أنه على هذا يكون (لا ضرر) مَدركاً لقاعدة فقهية لا وجود لها في كلمات الأصحاب، إذ لم يُعهد من واحد منهم عد الضرر من أسباب الضمان، خصوصاً مع ورود رواية صحيحة تدل على أنَّ (مَنْ أَضَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ اَلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ.)[1] ، فإنه يوجب التفاتهم الى أنَّ الضرر من أسباب الضمان على تقدير غفلتهم، ومع ذلك لم يَعدوه من أسباب الضمان، وإنما حكموا بالضمان على من حفر بئراً في طريق المسلمين من باب الاتلاف بالتسبيب باستناد التلف الى السبب.

وأُجيب عنه: بأنَّ حديث نفي الضرر لو كان متكفلاً لإنشاء الضمان والتدارك في مورد الضرر لتم ما ذكره، لكن ليس فيه ذلك وإنما يتكفل الاخبار عن عدم الضرر لأجل تشريع التدارك والضمان في موارد الضرر لكن بعنوان آخر ملازم له كالإتلاف، فلا منافاة بين عدم ذكرهم الضرر في أسباب الضمان وبين تكفل الحديث تشريع الضمان والتدارك في موارد الضرر.

الايراد الثالث: وهو عدم مناسبة هذا الوجه مع مورد تطبيق الحديث في مثل قضية سمرة بن جندب، لكون الضرر الواقع على الأنصاري ليس قابلاً للتدارك أصلاً.

الايراد الرابع: وهو ما تقدم من أنَّ هذا الاحتمال في تفسير الجملة التركيبية يقتضي الاختصاص بموارد الاضرار بالغير، ولا يشمل موارد الضرر الحاصل للإنسان بأسباب طبيعية أو بسبب الحكم الشرعي لعدم تصور التدارك فيها، وهذا الاختصاص لا يمكن الالتزام به في فقرة (لا ضرر) وإن كان يمكن ذلك في فقرة (لا ضرار)، والوجه في ذلك ما تقدم من أنَّ الضرر اسم مصدر يدل على حاصل المعنى المصدري وليس فيه نسبة صدورية حتى يدعى اختصاصه بالإضرار الصادر من الغير، بل لابد من تعميمه لكل ضرر يقع على الشخص حتى إذا كان لأسباب طبيعية، نعم لو كان الضرر مصدراً أمكن فيه ذلك لأنه يتضمن حينئذٍ نسبة صدورية، والحاصل أنَّ الاختصاص خلاف ظاهر(لا ضرر) والاختصاص لازم الاحتمال المذكور.

وأما المحاولة المتقدمة لتعميم الحديث لموارد الضرر الواقع من الشخص لا من الغير فيلاحظ عليها أنها لا تفي بشمول (لا ضرر) للضرر الواقع على الإنسان لأسباب طبيعية مثل احتراق المال وخسارة التاجر في تجارته، فإنه لا يُتصور فيها التدارك حتى إذا سلمنا تصور التدارك فيما إذا حصل الضرر بسب الحكم الشرعي.

هذا كله في الاحتمال الأول والايرادات التي وجهت إليه.

الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود بالحديث النهي عن الضرر وتحريمه، واختاره شيخ الشريعة والسيد المراغي صاحب العناوين، ويمكن تقريبه بوجوه:

الأول: أن يُفرض كون الجملة الخبرية مستعملة في مقام الإنشاء، ويكون الغرض من الاخبار عن نفي الضرر هو إنشاء النهي عنه، نظير استعمال الجملة الخبرية في مقام إنشاء طلب الفعل أو إنشاء طلب ترك الفعل وحينئذٍ تدل الجملة على النهي عن الضرر بالكناية لا بالتصريح.

الثاني: أن تكون جملة خبرية مستعملة في مقام الإخبار عن عدم الضرر لكن المقصود الأصلي والجدي لذلك هو الإخبار عن الملزوم، أي وجود المانع الشرعي من الضرر الخارجي، وهو النهي والتحريم الشرعي، وذلك بافتراض أن المخاطب مطيع للتكليف.

الثالث: أن تكون مستعملة في الاخبار ويكون المقصود الأصلي هو الاخبار عن النفي لكن يُفرض أنَّ خبر (لا) هو (مشروع)، فكل ضرر يكون حراماً، أو نقدر (موجود) لكن المقصود ليس هو الوجود في الخارج وإنما الوجود في الاسلام، وذلك باعتبار أنَّ ما يكون مشروعاً في شريعة يكون له نحو من الوجود، فإذا قيل غير موجود فيها كان معناه عدم المشروعية والمنع، من قبيل (لا رهبانية في الاسلام)[2] أي غير مشروعة فيه.

الرابع: أن تكون مستعملة في الاخبار ويراد بها الاخبار، مع افتراض أنَّ خبر (لا) هو (موجود) ويراد به الوجود الخارجي، لكن المصحح لهذا النفي هو المبالغة في المنع حتى كأنَّ الفعل لا يتحقق في الخارج.


logo