« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

الأمر الثالث في مفاد الجملة التركيبية (لا ضرر) والمحتملات الرئيسية ثلاثة:

الاحتمال الأول: أن يراد نفي الضرر غير المتدارك، أي كل ضرر متدارك، وهو ما اختاره الفاضل التوني، وله تقريبان:

التقريب الأول: أن يُراد بالضرر المنفي الضرر الخاص، فقوله (لا ضرر) نفي للضرر غير المتدارك، ويكون المراد الجدي للمتكلم هو بيان لازمه وهو أن كل ضرر موجود فهو متدارك، فيدل على وجوب التدارك والضمان.

التقريب الثاني: أن يُراد بالضرر المنفي الطبيعة ويكون النفي بلحاظ تحقق التدارك خارجاً، الذي هو لازم لوجوب الضمان شرعاً، لأنَّ الضرر المتدارك ليس ضرراً عرفاً، إذن نفي الضرر يكون بلحاظ تشريع التدارك لأنه يوجب عدم صدق الضرر عرفاً، فكأنَّ الضرر المحكوم بلزوم تداركه شرعاً بحكم العدم، فيصح نفي الضرر بقول مطلق، والمقصود نفي الضرر غير المتدارك، ولازمه ثبوت التدارك في موارد الضرر شرعاً.

والحاصل إنَّ الحديث يدل بأحد التقريبين على وجوب الضمان والتدارك شرعاً.

وبناءً عليه يختص الحديث بموارد الإضرار بالغير، أي ينفي الضرر عن الغير، إذ حينئذٍ يُتصور وجوب التدارك وأما موارد الضرر الوارد على نفس الانسان لا بسبب الغير فلا معنى لوجوب التدارك فيه.

وهناك محاولة لتعميم الحديث للضرر على النفس وذلك بافتراض أنَّ (لا) نافية فيكون الحديث نافياً للضرر غير المتدارك، وحينئذٍ فإن كان الضرر من فعل الغير فيثبت وجوب التدارك لما عرفت من أنَّ لازم نفي الضرر غير المتدارك هو ثبوت التدارك في موارد الضرر شرعاً، وأما إذا لم يكن كذلك وإنما كان مسبباً من حكم الشارع فيكون لازم نفي الضرر غير المتدارك نفي الحكم الضرري، وإلا كان الضرر غير متدارك، والمفروض أنَّ الحديث دلَّ على نفي الضرر غير المتدارك.

وبعبارة أخرى إذا لم يُنفَ الحكم الضرري فالضرر موجود، وهو مما لا تَدارُكَ له، والمفروض أنَّ الحديث ينفي الضرر غير المتدارك، وبذلك يعم الحديث الاضرار بالغير والضرر على النفس الحاصل بسبب الحكم الشرعي، غايته أنَّ الثابت في الأول هو وجوب التدارك شرعاً، والثابت في الثاني هو نفي الحكم الضرري.

وعلى كل حال فقد أُورد على هذا الاحتمال بعدة إيرادات:

الايراد الأول: ما ذكره الشيخ في الرسائل:

من أنَّ التدارك إنما يمنع من صدق الضرر عرفاً إذا كان متحققاً في الخارج، وأما مجرد الحكم الشرعي بوجوب التدارك والضمان فهو لا يمنع من صدق الضرر حقيقة.

وأجيب عنه: بأنَّ الحكم الشرعي بالضمان والتدارك إذا كان له قوة إجرائية تضمنه فيكون مضمون التحقق فلا يصدق الضرر ويصح النفي.

أو يقال إنَّ حكم الشارع بوجوب التدارك يراد به الحكم بالضمان للمضمون له بأن يملك المضمون له في ذمة الضامن قيمة ما أضرَّ به فلا يفوته شيء فلا يتحقق الضرر أيضاً ويصح النفي.

أو يقال إنَّ نفي الضرر بلحاظ الحكم الشرعي بالتدارك إنما هو بافتراض أنَّ المخاطَب به هو المكلف المطيع فيكون التدارك مضمون التحقق.

والملاحظة عليه:

أما الأول فهو مجرد فرض لا واقع له خارجاً، وأما الثاني فمجرد اشتغال ذمة الضامن لا يمنع من صدق الضرر عرفاً، لأنَّه مجرد حكم شرعي بالضمان، والشيخ يرى أنَّ ما يمنع من صدق الضرر هو التدارك خارجاً لا الحكم به، حتى لو كان حكماً شرعياً وضعياً، ونفس الكلام يقال في الثالث فإنَّ مجرد افتراض كون المكلف مطيعاً لا يرفع الضرر، فلا يصح النفي.

ومن هنا يظهر بأنَّ هذا الايراد على ما ذهب إليه الفاضل التوني يكون وراداً.

logo